نحن في كل الأزمان لا نواجه الآخرين عن أفكارنا وقناعاتنا الجديدة. قلة مَن يفعلون ذلك، وكما رأيت وقرأت وسمعت، الإنسان ضعيف في المواجهة.ريم الكمالي
تنتصر الكاتبة الإماراتية ريم الكمالي في كتاباتها للإنسان عبر شخصياتها من أزمنة مختلفة، وتتنقل في رواياتها عبر التاريخ وما يحمله الزمان والمكان من رمزية، لتسرد للقارئ ما عجزت عنه تلك الشخصيات عن البوح به وتمنحهم فرصة مواجهة أفكارهم الخفية التي آمنوا بها يوما ما، بحسب وصفها.
وتؤكد الكمالي، في حوارها مع "إرم نيوز،" أنها لا تكتب تاريخا إنما الإنسان حين كانت الكتابة الإبداعية غير مرحب بها.. ولأنها تريد أن تكتب وتقدم إبداعا بشكل مختلف، ترى أنه من الضروري ارتياد المجهول في السرد واختراع القول في الأسلوب الفني والكتابي.
وريم الكمالي روائية إماراتية متحصلة على دبلوم في الدراسات الاجتماعية، وبكالوريوس في التاريخ، وتركز في كتاباتها على اللغة العربية ومكانتها في الفضاء العام الإماراتي، وأدب الرحلات، وعلى تاريخ المنطقة القديم، ولها ثلاث روايات، هي : "سلطنة هرمز"، "تمثال دلما"، "يوميات روز".
وفي العام 2022 رشحت روايتها " يوميات روز" في القائمة القصيرة للجائزة العالمية للرواية العربية البوكر"، والقائمة الطويلة لجائزة الشيخ زايد للكتاب.
لا أقدم تاريخا حقيقيا ولا مزيفا، ولا أكتب الرواية لأوثق، إنما أروي لأعبر عن أعماق شخصياتي المخترعة ومشاعرهم ورؤاهم عبر الأحداث التي وضعتها في تلك الأزمان الحقيقية، وأواجه ما جرى لهم من أحداث إن لم يستطيعوا يوما المواجهة، فالفكرة في أصلها جمالية وإنسانية. لذا، أسرد لأعرف كيف كان يجب أن تكون المواجهات عن تلك الأفكار الخفية التي آمنوا بها لا تاريخًا..
وبوصفي هنا روائية لا مؤرخة، أطرح قضايا إبداعية وجمالية وخيالية عالقة، لا شخصيات حقيقية (سوى القليل) من أجل المصداقية، ولا أكتب لأكرر ما قيل وما جرى، إنما أكتب من صميم الفكرة التي ابتدعتها، هي فانتازيا لأنتصر للخائفين المبدعين من كل قلبي وبأبهى ما يمكن.
الشخصية المخترعة أو المتخيلة آتية من وحي الخيال، أليس الخيال الذي نضعه في الرواية آتٍ من الواقع المرير الذي يعيشه الإنسان، خاصة الخائف الصادق، والجميل المنسي، هؤلاء لم يكتبهم أحد، والمؤرخون يكتبون عمن يعملون لديهم في سطور باهرة ومزخرفة. قلة منهم كتبوا الحقيقة، لذا أتت الرواية لتقول ما لا يُقال.
سبق وذكرت لكِ بأنني لا أكتب تاريخا إنما الإنسان، فبطلتي بدرة مثلاً في رواية "سلطنة هرمز"، فتاة طموحة وقارئة وتريد معرفة المزيد، لم تستطع من مكانها المواجهة بل الهرب، و"نورتا" بطلي في رواية "تمثال دلما" متمرد على الفكر الديني ويريد تغييرا ولم يستطع المواجهة..
أما في رواية يوميات روز، فهي حكاية كاتبة شابة صغيرة في زمن لا يُقال لها اكتبي، فكان الخيال بأن آتي بفتاة تكتب في تلك الفترة رغم وجود التعليم والبعثات، لكن الكتابة الإبداعية حينها غير مرحب بها. فما الذي كان من الممكن أن تكتب روز؟، بل، السؤال الأعمق ما شعورها وهي تتخلص مما كتبته؟..
إذن، نحن في كل الأزمان لا نواجه الآخرين عن أفكارنا وقناعاتنا الجديدة. قلة مَن يفعلون ذلك، وكما رأيت وقرأت وسمعت، الإنسان ضعيف في المواجهة.
لست من الذين يبحثون عمن يكتبونهم، وأشكر بدوري مَن يكتب عن رواياتي، وأصمت مع مَن يذم أعمالي، ولا أنشغل سوى بأفكاري التي من الممكن متابعتها لتحويلها إلى إبداع.ريم الكمالي
شكرًا لرأيك أولًا، أما رواية يوميات روز فهي من النوع "النوفيلا"، وسبق أن ذكرت ذلك في حواراتي الماضية، حول فنيات الرواية القصيرة جدا وشروطها، وهي معروفة وموجودة في الكتب وحتى في شبكات النت، حيث يتحدث فيها البطل بضميره هو، معبرًا عن خوالجه وما يشعر به، وعن الآخرين حوله إلى النهاية، وعادة تكون النوفيلا ساخرة، أو غاضبة وسريعة.
وأنا شأني شأن أي كاتب؛ أريد أن أقدم إبداعا، وأكتب كل عمل بشكل مختلف، فالتشابه أمر لا يحرض القارئ على قراءتي مستقبلاً، لا بد من ارتياد المجهول في السرد واختراع القول في الأسلوب الفني والكتابي..
لم أصنف رواياتي إن كانت تاريخية أو نسوية أو غير ذلك، إنما النقاد والصحف، ولا أقدم سوى روايات إنسانية، أما سؤالك عن المكان، فنعم، كان دافعا كبيرا لتحريضي على الكتابة، لا بوصف المكان موضعًا ولا مهمًا أو محددًا، إنّما المكان المشتبك بالإنسان وطريقة تفاعله مع تلك المساحة.. فالكاتب يرى في المكان والإنسان والأحداث والمواضيع.. وكل ما حوله مدادًا لا ثرثرة.
في الحقيقة نادرا أن أجد ناقدا يكتب نقدا حقيقيا حول الرواية، أو يكتب بحثا كاملا مثلا، أما مَن يشاركون بمقالاتهم المكتوبة حول الكتب، فلا أراها نقدا، إنما شحنات تدخل فيها العاطفة أو الثناء، أو غير ذلك من المحسوبيات.
أما مَن يخضع لسلطة مَن؟ فلا أعرف، ولست من الذين يبحثون عمن يكتبونهم، وأشكر بدوري مَن يكتب عن رواياتي، وأصمت مع مَن يذم أعمالي، ولا أنشغل سوى بأفكاري التي من الممكن متابعتها لتحويلها إلى إبداع..
أما إن لم يكتبني أحد، تبقى كتبي على الرفوف لمن أراد، وسوف يأتي بعد عقود أي بعد موتنا مَن يكتبنا بصدق، فلا محسوبيات ولا علاقات حينها تربطنا بالأحياء.