متاعب الصحافة وجاه السياسة
متاعب الصحافة وجاه السياسةمتاعب الصحافة وجاه السياسة

متاعب الصحافة وجاه السياسة

تاج الدين عبد الحق

ينضم الأستاذ حلمي النمنم إلى قائمة الزملاء الصحفيين الذين خطفتهم المهام السياسية والمشاغل الرسمية. واهتمامنا بتكليفه بمنصب وزير الثقافة والإعلام في الحكومة المصرية الجديدة نابع من أمرين: الأول أن الأستاذ النمنم كان من بين أوائل الكتاب الذين شرفت شبكة إرم بمساهماتهم، وكتاباتهم في الفترة الأولى التي كانت فيها الشبكة تتلمس طريقها في دروب الفضاء المزدحمة. والثاني أن توزير الصحفيين بات ظاهرة عامة تهدد استقلال المهنة، ودورها المفترض كسلطة رابعة، لا تابعة.

وفي مصر لم يكن الأستاذ حلمي النمنم هو الأول الذي شغل المنصب الوزاري. فالقائمة طويلة، وعلى رأسها الأستاذ محمد حسنين هيكل الذي كان أول من يكسر الحواجز بين المنصب الرسمي والمهنة الصحفية، فعاش الفترة الذهبية من حياته الصحفية وهو يتنقل بين دهاليز السياسية مشاركا بما يدور فيها من صراعات وخلافات، وبين بلاط صاحبة الجلالة الذي كان فيه ملكا متوجا بلا منازع.

لكن المنصب الوزاري في مصر لم يكن يشكل إغراء للصحفيين الكبار الذين كانوا يفضلون الاحتفاظ بقيادة المؤسسات الإعلامية على تقلد المناصب الوزارية. وساعد على ذلك أن المؤسسات الإعلامية الكبرى المعروفة بالصحافة القومية، مؤسسات كبيرة بالحجم والموارد، وكانت مصدر ثراء لقيادات إعلامية كثيرة، إما بسبب ما تغدقه هذه المؤسسات عليهم من مزايا مادية، أو عينية، أو ما توفره من نفوذ يتجاوز في كثير من الأحيان نفوذ السياسيين.

لذلك فإن سياسيين كبارا جاءوا لفترات من حياتهم العملية للصحافة، من أبرزهم الرئيس المصري الأسبق أنور السادات الذي ترأس مجلس إدارة التحرير التي أصدرت أول الصحف القومية في عهد الثورة وهي صحيفة الجمهورية، كذلك خالد محيي الدين الذي كان عضوا في مجلس قيادة الثورة و ثروت عكاشة الذي كان من الضباط الأحرار قبل أن يتفرغ للعمل الثقافي ويصبح وزيرا للثقافة.

ورغم أن الدوافع التي كانت وراء تدفق السياسيين في عهد الثورة على الصحافة، لم تكن دوافع مهنية بقدر ماهي دوافع سياسية لاحكام قبضة الدولة على الإعلام خاصة بعد تأميم الصحف، نقول رغم ذلك، فإنها أرست قواعد جعلت التداخل بين الصحافة والسياسة ظاهرة، لا يمكن تجاهلها.

في الأردن أيضا تجربة تداخل شائعة، لكنها مختلفة من حيث الشكل. والقائمة هنا تطول والأعداد التي تشملها، تماثل في كثرتها أعداد الحكومات التي تعاقبت على الأردن منذ استقلاله وحتى الآن. لكن أبرز الذين جاءوا من الصحافة للوزارة، المرحوم سليمان عرار الذي كان أول رئيس تحرير لصحيفة الرأي كبرى الصحف الأردنية، التي أصبحت منذ ذلك الحين قاعدة تفريخ للعديد من الوزراء من أبرزهم محمود الكايد، والدكتور خالد الكركي وطارق مصاروة وسميح المعايطة وراكان المجالي وغيرهم من كتاب الصحيفة الذين كانت كتاباتهم في الصحيفة سببا لتوزيرهم.

ولم تكن وزارة الإعلام هي الحقيبة الوحيدة التي شغلها الوزراء الذين جاءوا من صحيفة الرأي بل شمل ذلك حقائب بعيدة عن المجال تماما مثل وزارة الداخلية التي شغلها سليمان عرار ورئاسة الديوان الملكي مثل الدكتور خالد الكركي.

صحف أردنية أخرى انضمت لقائمة صناع الوزراء ومنها صحيفة الدستور وكان من بين من أصبح وزيرا من رؤساء تحريرها، كامل الشريف ونبيل الشريف وغيرهما ممن تعاقبوا على رئاسة تحرير الصحيفة. بل إن الظاهرة أمتدت إلى تجارب صحفية ناشئة أخرى، حيث تم توزير رئيس تحرير صحيفة "العرب اليوم" طاهر العدوان، وسلفه صالح القلاب الذي ترأس التحرير في مستهل عهد الملك عبد الله الثاني، وكان القلاب قد انفرد بخبر تغيير ولاية العهد من الأمير الحسن بن طلال إلى عبد الله الثاني أكبر أبناء الراحل الملك حسين.

في لبنان كذلك، كان للصحفيين نصيب في التشكيلات الوزارية المتعاقبة، ومن أبرز هؤلاء غسان التويني صاحب ورئيس تحرير جريدة النهار، ووزير الداخلية الحالي نهاد المشنوق وغيرهما.

في الخليج تتكرر الظاهرة وإن بمستويات أقل فوجدنا في الإمارات الأخوين المرحومين تريم وعبدالله عمران يتقلدان مناصب سياسية ووزارية رفيعة، كما وجدنا في البحرين نبيل الحمر، الذي كان رئيسا لتحرير جريدة الأيام وزيرا للإعلام، وفي الكويت سعد بن طفلة العجمي، الذي أصبح وزيرا للإعلام بعد التحرير. وفي السعودية التي يتبوأ منصب وزير الإعلام فيها رئيس تحرير جريدة الشرق الأوسط الأسبق ورئيس قناة العربية السابق الدكتور عادل الطريفي.

ظاهرة الصحفي الوزير موجودة في الغرب أيضا لكن انتدابهم لأعمال وزارية لا يكون بهدف الاستزلام أو الاسترضاء، في حين أن هذا الهدف هو القاسم المشترك لمعظم الصحفيين العرب  الذين تركوا متاعب المهنة إلى جاه السياسة.

الأكثر قراءة

No stories found.


logo
إرم نيوز
www.eremnews.com