السعودية... وحلم المواطن بالوطن
السعودية... وحلم المواطن بالوطنالسعودية... وحلم المواطن بالوطن

السعودية... وحلم المواطن بالوطن

عبد الله ناصر العتيبي

يقول الكاتب محمد الخضيري إنك إن لم تصنع هويتك بنفسك، فسيصنعها الآخرون نيابة عنك، أو ستتصدى الظروف لصنعها، وفي الحالتين سيكون لزاماً عليك أن تخضع دائماً، رضيت أم لم ترضَ، لما تفرضه عليك هذه الصناعة المستعارة من نتائج.

عندما أذكر البرازيل، فسيقفز لذهن سامعي مباشرة - على افتراض أن السامع من متوسطي الناس - منتخبها العظيم لكرة القدم. اللون الأصفر والأزرق. بيليه وسقراط وزيكو ورونالدو وروماريو ونيمار. سيفكر السامع أولاً في جنون المتعة الكروية، ومن ثم يغيب مع ذكرياته المكتنزة بالتفاصيل عن صولات نجوم السامبا في كأس العالم. وعندما تأتي كلمة ألمانيا على لساني فسيفكر من يسمعني في الجودة وسيارات المرسيدس والبي إم دبليو والثقافة الصارمة المعتدة بنفسها. وكلمة اليابان ستأخذ سامعها لفضاءات مصورة للإتقان والدقة والتفاصيل المرسومة بعناية فائقة.

استطاع البرازيليون والألمان واليابانيون أن يصنعوا هويتهم الخارجية بمنتج حي وقابل للتواصل مع شعوب العالم. استطاعوا أن يتفردوا بـ «جهد بشري خالص» بما يحمل صورتهم إلى العالم. أما صورتهم الداخلية فلكل بلد ظروفه وثقافته الخاصة المتحكمة بالوجه الداخلي من لوحة الهوية.

والآن، ما هو «رد الفعل الذهني» لمن يسمع كلمة السعودية؟ كيف ينظر السعودي لسعوديته؟ وما هو التعريف الشائع له عند متوسطات الناس في أوروبا وأميركا وأفريقيا وآسيا؟

داخلياً الأمر مشوش كما ذكرت في مقالة سابقة، وخارجياً الأمر لا يتعدى محددين اثنين للصورة الذهنية: البترول والإرهاب. هذا التشويش وهذان المحددان وإن لم تكن لها تأثير مباشر في الوقت الحالي، فإنها ستجلب في المستقبل على السعودية أزمات وتحديات صعبة المعالجة ومنعدمة الحلول، لهذا فإنه صار لزاماً على الأجهزة السعودية التنفيذية والتشريعية أن تبدأ من اليوم في وضع حجر الأساس لمشروع وطني ضخم يرسم ملامح «الهوية السعودية»، ويمدها بالأدوات اللازمة لصناعة صورة ذهنية ملائمة للمواطنين في الداخل والمتماسين مع كلمة «السعودية» في الخارج.

من الضروري أن يعرف السعودي بالضبط من هو؟ وما هي سعوديته؟ ليتمكن من جمع أدواته اللازمة للدفاع عن وطنه ومجتمعه متى ما دعت الحاجة. ومن الضروري أن يعرف العالم (الغربي تحديداً) محدداً إيجابياً رئيسياً واحداً على الأقل عن المملكة، ويؤمن به، لتتمكن السياسة السعودية الخارجية من الدخول والخروج بسهولة من أبواب التحالفات والتكتلات الدولية، ولتستطيع أن تفرض رؤيتها العالمية متى ما احتاجت لذلك.

في مقالة سابقة تحدثت عن أسباب تشويش وتشويه الهوية السعودية، وفي هذه المقالة سأورد باختصار بعض الحلول التي أرى أنها تساهم في حل هذا الإشكال الوطني.

أولاً: إنشاء جهاز وطني يعنى بإشكالات الهوية والصور الذهنية المنبثقة منها. التي تحدثت عنها في مقالة سابقة (الأربعاء الماضي) من أولاً وحتى تاسعاً. ويتولى تفكيك وتشريح وبناء هوية المواطن السعودي وسمعة الأجهزة الحكومية والمدنية على حد سواء، ويحدد ويرصد ويدرس المؤثرات الداخلية والخارجية الثابتة والمتغيرة التي تؤثر في شكل أو آخر على صورة السعودي المواطن والسعودية الدولة داخلياً وخارجياً.

ثانياً: إنشاء جهاز علاقات عامة يرتبط في شكل مباشر برئيس مجلس الوزراء أو برئيس أحد المجلسين التنفيذيين المنبثقين عن مجلس الوزراء، وتكون مهمته الرئيسة رسم «خطة علاقات عامة» للبلاد تقدم الهوية السعودية في أبهى صورها، من خلال العمل في شكل منفرد أو مع قطاعات الدولة ذات العلاقة.

ثالثاً: يتولى جهاز الهوية الوطنية وجهاز العلاقات العامة تحديد خمس أو ست رسائل وطنية كل شهر في السياسة والاقتصاد والدين والثقافة والمجتمع، ويمررانها إلى وسائل الإعلام الحكومية والخاصة وخطباء الجمعة والدعاة والنوادي الأدبية وغيرها من وسائل التواصل المحلية لخلق حال وطنية دائمة، وهوية داخلية متماسكة وإيجابية.

رابعاً: يتولى جهاز العلاقات العامة صناعة محتويات إعلامية عن المملكة ذات هويات جادة وأخرى ترفيهية، ويدورها لمكتبات العالم التلفزيونية والرقمية.

خامساً: إنشاء نادٍ محلي يُعنى باحتواء المراسلين الأجانب في المملكة، ويزودهم بكل ما يحتاجون إليه بشفافية وصدقية عالية.

سادساً: يتولى جهاز العلاقات العامة تقييم الرسائل الاتصالية لكبار موظفي الدولة التي تتم عبر الحوارات التلفزيونية والتصريحات الصحافية، وتقويم ما يحتاج منها إلى التقويم.

سابعاً: يشرف جهاز العلاقات العامة على تحرير البيانات الحكومية والردود الإعلامية الرسمية، ويتولى إيصالها إلى الوسائل الإعلامية المؤثرة عالمياً.

ثامناً: يقيم جهاز الهوية الوطنية وجهاز العلاقات العامة فعاليات وطنية في الداخل والخارج في شكل دوري، بحيث تعمل هذه الفعاليات كمنصات اتصال لتمرير الرسائل الوطنية في شكل غير مباشر.

تاسعاً: يتولى جهاز الهوية الوطنية وجهاز العلاقات العامة الجهود الاتصالية لبعض الفعاليات الموسمية التي من شأنها تعزيز الهوية الوطنية. ما الذي يمنع مثلاً من أن يكون موسم الحج حدثاً استثنائياً في كل مناطق المملكة؟ لماذا لا يوحّد السعوديون لباسهم في هذا الموسم؟ لماذا لا يلبسون الشعارات الخاصة به كما يفعل البريطانيون بالشعار الخاص باستذكار مقاتلي بلادهم في شهر تشرين الثاني (نوفمبر) من كل عام؟

عاشراً: يتولى جهاز العلاقات العامة الإشراف على كل المؤتمرات الصحافية الحكومية والتأكد من أنها تحمل رسائل إيجابية للمواطن.

أخيراً: فإن ما سبق هو محاولات لحل إشكال قائم، ومن الممكن البناء عليها أو الإضافة لها أو اختصارها، لكنها، من محبة، هي في الأصل رسالة مواطن يحلم بوطن أفضل.

هذا المقال يعبر عن رأي الكاتب ولا يعكس بالضرورة وجهة نظر شبكة إرم نيوز

الأكثر قراءة

No stories found.


logo
إرم نيوز
www.eremnews.com