توهج الجمر، فسقطنا في الجحيم
توهج الجمر، فسقطنا في الجحيمتوهج الجمر، فسقطنا في الجحيم

توهج الجمر، فسقطنا في الجحيم

يوسف ضمرة

عندما يتم الحديث عن إعادة تشكيل المنطقة، من قبل الولايات المتحدة الأمريكية، يتم السكوت العفوي عن المكونات الاجتماعية والسياسية في المنطقة نفسها. لا نلمح دور الدول والشعوب والجماعات، فتغدو المنطقة كتلة لدنة في اليد الأمريكية، تشكلها كيفما تشاء.

ماذا لو عرفنا أن هذه اليد نفسها عملت طويلا على رسم قارة أمريكا الجنوبية؟ وماذا لو ذكّرنا أنفسنا أن نتيجة هذا كله كانت مغايرة للرغبة الأمريكية؟

لا أحد في استطاعته التلاعب براهن مجتمعات وكيانات وشعوب وجماعات، وبمصيرها، ما لم يكن لدى هذه المكونات استعداد ملائم لهذا التلاعب والقبول به. فموضوع المذاهب الدينية الإسلامية ليس جديدا على الأمة الإسلامية، لكن هذه الأمة التي وجدت نفسها ذات يوم أمام عدو خارجي مباشر، تمكنت من تنحية الخلافات بين المذاهب، طالما لا تشمل هذه الخلافات أساسيات الإسلام وأركانه كلها. بمعنى أن كل ما يشاع من خلافات مذهبية، لا يمس جوهر الدين، مهما حاول بعض الغلاة الإيحاء بعكس ذلك. وعليه، فحين وجدت الأمة نفسها في مواجهة العدو الصهيوني، لم يكن ثمة مذهب يتقدم وآخر يتراجع.

اليوم تنبه الغرب لهذه المسألة؛ قام بتنحية العدو الخارجي وتحييده، في خلال الإعلاء من الخلافات المذهبية. وحين تمت ترجمة هذه الخلافات على الأرض ـ العراق أولا ـ اكتشف الغرب أنه عثر على ضالته التي كان يفتش عنها.

لم تصبح أمريكا مجرد صديق لبعض الدول أو الجماعات في ظل هذا التصعيد للخلافات المذهبية، بل أصبحت حليفا أساسيا، سرعان ما نقل معه الكيان الصهيوني من خانة العدو إلى خانة الحليف أيضا. كل ما في الأمر هو أن أمريكا اكتشفت أن استنبات خلافات داخلية بين مكونات المجتمعات العربية، كفيل بتناسي الأعداء الخارجيين. وقد جرى ذلك كله في بلدين تنتمي السلطة فيهما لمذهب دون آخر على الرغم من أن هذا الآخر هو الأكثري.

ليست لدينا أوهام في قرب انتهاء هذا الصراع قريبا أو في المدى المنظور، حتى لو تمت تسويات سياسية هنا وهناك. فالأهم من هذا كله، هو أن الغرب عثر على المفتاح الذهبي لإذكاء الصراعات الداخلية في مجتمعاتنا. وعليه، فإن أي تسويات سياسية مقبلة، ستنقل الصراع من لغة البنادق إلى لغة الحياة اليومية، ما يعمق هذا الصراع، ويجعل من بناء الدولة أمرا أكثر صعوبة. ولعل مثال لبنان يكون ساطعا أمامنا. فالحياة اللبنانية ليست متجانسة على الإطلاق. وكل طائفة لديها ما تبحث عنه من مكتسبات، وهي على استعداد للتحالف مع طائفة أخرى أو جزء منها، سعيا لتحقيق مآرب الطائفة، ومنعا لانكسارها أو إضعافها. ولذلك نرى الخلافات يوميا حول كل ما يتعلق بالحياة في لبنان، سياسيا واقتصاديا واجتماعيا.

اللبنانيون عثروا على صيغة أسموها"ديمقراطية توافقية" وهو مصطلح فارغ من المعنى بالطبع، حيث تعارض كل من الكلمتين إحداهما الأخرى.

هل نحن مقبلون في مرحلة التقسيم الجديد للمنطقة، على هذا النموذج؟ ربما، فقد تم استنساخه في العراق وتم تثبيته تماما.

لكن السؤال الملح هو: ماذا سنفعل بجيش من فائض القوة عند أي تسوية سياسية؟ الجواب يكمن في التذكير بما فعله المجاهدون الأفغان بعد انهيار الاتحاد السوفييتي. إلا إذا تم إرضاء المكونات الصغيرة بكيانات كرتونية هزيلة، تمنح بعض المنتفعين شكل الزعامة ووصفها الخارجي، كما يحدث في الضفة والقطاع مثلا.

الأكثر قراءة

No stories found.


logo
إرم نيوز
www.eremnews.com