حزب الله يعلن استهداف قاعدة بحرية إسرائيلية قرب حيفا بالصواريخ
في قلب القارة الأوروبية.. خلف ستار من الثروة والفساد تنشط شبكات معقدة من المافيا التي تدير تجارة المخدرات بكفاءة وإتقان.
في العمق سنستكشف "طريق الكوكايين السريع" في القارة العجوز، والذي حوّل بعض الموانئ الأوروبية إلى عواصم تجارة المخدرات في العالم.
الموانئ … بوابة الكوكايين إلى أوروبا
تشكل قضية تهريب المخدرات ولا سيما الكوكايين، أحد أخطر التحديات التي تواجهها أوروبا في العصر الحالي .. وتحوّلت موانئ، مثل: أنتويرب في بلجيكا، روتردام في هولندا، وهامبورغ في ألمانيا، إلى نقاط دخول رئيسة لهذه المادة المدمرة.
تقول وكالة بلومبيرغ الأمريكية.. إن ميناء أنتويرب وحده شهد تضاعف عمليات ضبط الكوكايين أكثر من 20 مرة خلال السنوات العشر الماضية نقلًا عن مكتب الأمم المتحدة المعني بالمخدرات والجريمة.
هيئة الجمارك البلجيكية صرّحت أنها تمكنت مؤخرًا من ضبط ما بين 10% إلى 40% فقط من الكوكايين الذي يُنقل عبر الميناء، مشيرة إلى أن التدابير المشددة لم تحقق النتيجة المرجوة؛ نظرًا لصعوبة تحديد حجم المشكلة.
بينما تقدّر وكالة المخدرات التابعة للاتحاد الأوروبي الحد الأدنى لقيمة البيع بالتجزئة للمخدرات في الاتحاد الأوروبي بـ (33 مليار دولار).
وفي عام 2023 بلغت كمية الكوكايين التي تم ضبطها في ميناء أنتويرب بما يقرب من 120 طنًّا، وتقدر قيمتها بمليارات الدولارات.
إلا أن تأثير الكوكايين لا يقتصر على الموانئ فقط، بل يمتد إلى الأحياء المضطربة في مختلف المدن الأوروبية، حيث يسهم في تأجيج العنف المسلح وحروب العصابات.
أزمة سياسية واستراتيجية
"إنها ليست مشكلة أنتويرب فقط، ولا بروكسل أو بلجيكا وحدها، إنها مشكلة عالمية" بهذه الكلمات لخص وزير العدل البلجيكي بول فان تيشيلت حجم التحدي.. فبلجيكا وحدها لا تستطيع مواجهة هذا الخطر المتصاعد، فقد أصبحت مدينة أنتويرب وفقًا لبيانات مياه الصرف الصحي التي جمعتها وكالة تابعة للاتحاد الأوروبي عاصمة الكوكايين في أوروبا.
وحتى المدن الهولندية الكبرى، مثل: روتردام، وأمستردام، تشارك في المراكز العشرة الأولى وفقًا لبلومبيرغ؛ ما يعكس حجم التغلغل الإجرامي في القارة.
تصاعد العنف وتهديد الأمن الأوروبي
ميناء أنتويرب، بمساحته الضخمة التي تتجاوز مساحة 22 ألف ملعب كرة قدم يُعد وجهة رئيسة للسلع القادمة من أمريكا اللاتينية، ما يجعله هدفًا سهلًا للعصابات.. هذه المساحة الشاسعة تمثل تحديًا أمنيًّا كبيرًا للسلطات، حيث يتم التعامل مع أكثر من 12 مليون حاوية سنويًّا؛ ما يفتح المجال أمام التجارة غير المشروعة.
أثيرت مخاوف في تقرير مشترك صدر مؤخرًا عن مكتب الشرطة الأوروبية "يوروبول" وإدارة مكافحة المخدرات الأميركية من أن التعاون بين الجهات الإجرامية المكسيكية والشبكات الإجرامية التي تتخذ من الاتحاد الأوروبي مقرًّا لها "قد يستمر في التطور".
وأشار التقرير إلى أنه في السنوات الأخيرة برزت المخدرات المصادرة المرتبطة بالجهات الإجرامية المكسيكية كـ"سمة بارزة" في مشهد المخدرات في الاتحاد الأوروبي.
فالعصابات تعمل على "إفساد" مسؤولي القطاعين العام والخاص من أجل تسهيل مرور الكوكايين إلى التكتل، بحسب "بوليتيكو".
وحذر التقرير من أن "زيادة وجود الكارتلات المكسيكية في الاتحاد الأوروبي يمكن أن يؤدي إلى زيادة العنف".
وهذا ما حدث فعلاً .. عمليات إطلاق النار أصبحت شبه أسبوعية، وارتفعت أعداد التفجيرات والتهديدات بشكل ملحوظ خاصة ضد المسؤولين العموميين في بلجيكا والعديد من دول الاتحاد الأوروبي.
هولندا التي كانت في وقت ليس ببعيد نقطة الدخول الرئيسة، شددت من إجراءاتها الأمنية؛ ما دفع تجارة الكوكايين نحو بلجيكا.
في عام 2023 ضبطت السلطات الهولندية كميات قياسية من الكوكايين، من بينها 8064 كيلوغرامًا كانت مخبأة في حاوية موز في ميناء روتردام بقيمة سوقية تجاوزت 600 مليون يورو وفق تقرير بلومبيرغ.
يعتقد مسؤولو الجمارك البلجيكيون أنه بمجرد وصول الكوكايين إلى أنتويرب، ينتقل نحو 90% منه عبر الحدود الهولندية حيث يتم معالجته وتقسيمه قبل إرساله عبر أوروبا من خلال شبكة متشابكة من التجار والبلطجية.
ورغم الجهود الأمنية المبذولة، فإن العصابات الإجرامية تمكنت من اختراق أطقم سفن الحاويات عبر الرشاوى والتهديدات، وحتى باستخدام تقنيات عالية، مثل: الغواصات الصغيرة لتهريب المخدرات تحت الماء.
جهود مكافحة التهريب.. بداية معركة طويلة
استجابةً لهذا التهديد المتنامي، بدأت الدول الأوروبية بتعزيز إجراءاتها الأمنية بالتعاون بين "اليوروبول" ومؤسسات الجمارك الحدودية، من خلال استخدام تقنيات متقدمة، مثل: ماسحات الحاويات، وتجنيد فرق غوص مختصة للتفتيش تحت الماء.. كما تم تعزيز التعاون بين بلجيكا وهولندا في مجال مكافحة الجريمة المنظمة.. ورغم أن هذه الخطوات تشكل بداية جيدة، فإن المسؤولين يعترفون بأن التحدي لا يزال هائلًا بسبب أساليب الكارتلات في التجنيد والابتزاز.
تستخدم المافيا العديد من الأساليب لتجنيد موظفي الجمارك والشرطة، مثل الرشوة، والابتزاز، وحتى التهديد لأفراد عائلاتهم.. كما تعتمد على التكنولوجيا المتقدمة لاختراق الأنظمة الجمركية والتلاعب ببيانات الشحنات؛ ما يصعب على السلطات الكشف عن الكميات المهربة.
المستقبل المجهول لتجارة المخدرات في أوروبا
تحولت أوروبا إلى ساحة معركة في حرب غير معلنة ضد تهريب المخدرات، بينما تستمر العصابات في ابتكار أساليب جديدة لتجارتهم، وتستخدم جميع الوسائل للتغلغل داخل الأنظمة الأمنية الأوروبية.. ورغم الجهود الكبيرة التي تقدّمها السلطات، فلا تزال الطريق طويلة أمام أوروبا للحد من هذه التجارة السامة التي تجتاح القارة العجوز.