غالبًا ما يكون شرط التحفظ عند الفيلسوف الرواقي الروماني إبكتاتوس "Epictetus"، هو في حد ذاته ترياقًا لهوس التحكم في كل شيء، إذ إن التحكم يقدّره معظمنا بدرجة أكبر أو أقل، إننا نفعل ذلك من خلال وضع الخطط، وتهيئة الأرضية للمتابعة، وتقليل عدد العوامل التي يمكن أن تقف في طريقنا، وهذا يمنحنا الشعور بالأمان والثقة.
الواقع مختلف جدًّا، لا توجد خطة تتطور بالطريقة ذاتها التي نتخيلها، وهناك مناسبات كثيرة تجبرنا فيها الأحداث على تعديلها، هذا ما يذكرنا به شرط التحفظ عند إبكتاتوس: السيطرة المفترضة التي نمتلكها على أشياء معينة هي مجرد أوهام.
وينطبق هذا قبل كل شيء على المواقف اليومية والشخصية، ربما يكون من الأسهل الاحتفاظ بالسيطرة على مشروع بين أيدينا، ولكن ليس بالضرورة مقارنته بما سيحدث عندما نذهب لإجراء معاملة مصرفية، أو مواعدة شخص بعد ستة أشهر، لذلك من الأهمية بمكان أن نضع في الحسبان شرط التحفظ الذي أوصى به.
يقول إبكتاتوس "لا ينبغي للسفينة أن تبحر بمرساة واحدة، ولا الحياة بأمل واحد"، لذا فالتركيز فقط على النتائج يمكن أن يؤدي إلى الإحباط.
شرط التحفظ
شرط التحفظ عند إبكتاتوس، وفقًا لتقرير نشره موقع "nospensees" نصيحة قيّمة تركها لنا هذا الفيلسوف الرواقي في كتابه " Enchiridion"، وهي كلمة تُترجم إلى "كتيّب عملي".
في النقطة الـ(2) من نص الكتاب يقول إبكتاتوس "لا تستخدم سوى الدافع الذي يقودك إلى العمل واللجام الذي يتيحه لك التقاعس، ولكن بلطف، مع الاعتدال ومع شرط احتياطي تحفظي".
ويشرح ذلك بشكل أفضل في النقطة الـ 4 من الكتاب "عندما توشك على الشروع في عمل ما تذكر ما يتكون منه هذا العمل فعلاً. إذا كنت ستأخذ حمامًا فضع في اعتبارك ما يحدث عادة في المراحيض العامة: شخص ما سوف يرشك، وآخر سوف يدفعك، وآخر سوف يهينك، وآخر سوف يسرقك".
إن ما يعنيه الفيلسوف هنا هو أنه من الصعب للغاية التنبؤ بنتيجة الأحداث، وبالتالي فعند البدء في عمل ما يجب، على المرء أن يضع في اعتباره أنه لا شيء يضمن أنه يمكن أن يحدث بالفعل كما هو متوقع، أخذُ هذا في الحسبان يُجنّب الكثير من الإحباطات.
قوة الصدفة
يذكر شرط التحفظ عند إبكتاتوس كلمة "hupexhairesis". لا توجد ترجمة دقيقة لهذا المصطلح لكنه يعادل عبارات مثل "إن شاء الله" أو "طالما أن القدر لا يمنعه"، هذا هو بالضبط التحفظ إزاء المستقبل، حيثُ هناك جوانب من هذا المستقبل التي من المستحيل التنبؤ بها، وبالتالي لها القدرة على تغيير مسار الأحداث.
التركيز على الجهود
ليس فقط الفيلسوف إبكتاتوس، ولكن جميع الرواقيين روّجوا لفكرة أن أهم شيء هو التركيز على الجهد وليس على النتائج، إذا كان التركيز على النتائج وحدها فإن احتمالية الشعور بالإحباط والخيبة قد تصبح أعلى بكثير.
بعبارة أخرى، يشجعنا الرواقيون بشكل عام، على التركيز على الأشياء التي لنا عليها قدر أكبر من السيطرة والتحكم، في سياق الأفكار هذا يكون الشيء الأكثر حكمة هو الرهان على الإرادة لفعل شيء ما أو التقدم بمشروع ما. وأيضًا الرهان على القناعات التي تدفعنا للقيام بذلك، أما الباقي فهو غير معروف.
فائدة شرط التحفظ
يتمثل الاستخدام الرئيس لشرط التحفظ الذي أوصى به الفيلسوف إبكتاتوس في تذكيرنا بأنه حتى لو شعرنا بالسيطرة على الواقع فإنه ليس أكثر من خيال، بوضع ذلك في الاعتبار يصبح من الأسهل علينا بكثير تجنب خيبة الأمل، وبالمثل يمكننا أن نكون أكثر انفتاحًا على التغيير إذا تطلب الواقع ذلك، دون الشعور بالهزيمة.
إذا كنا نحمل في أذهاننا سيناريو جدّ صارم وحدث أن عاكسنا الواقع وتسبب في حدوث تقلبات وتحولات غير متوقعة، فمن المحتمل أن ينتهي بنا الأمر إلى إلحاق الأذى بأنفسنا أو شلّ أنفسنا. في المقابل، عندما يكون هناك ما يكفي من الانفتاح والمرونة لاستيعاب وقبول أن هناك تجاهًا جديدًا وأن الخطط بحاجة إلى إعادة صياغة، فإننا سنعاني قدرًا أقل من الإجهاد الانفعالي وسنتحرك ونمضي قدمًا بسلاسة أكبر.
ويُعتبَر شرط التحفظ عند الفيلسوف إبكتاتوس مفيدًا جدًا في هذه الأوقات التي يصبح فيها عدم اليقين هو الخبز اليومي، إننا نعيش في زمن صارت فيه الأحداث الكبيرة قوية بما يكفي لتغيير حياة الناس.
كما إن الحروب والأمراض وتغير المناخ والعديد من العوامل الأخرى تجعل هذا التحفظ الحكيم في مواجهة المستقبل أمرًا ضروريًّا وملحًا أكثر من أي وقت مضى.