رمزي الغزوي
رمزي الغزوي

"باريدوليا" الدبُّ والمريخ

يبدو أن لا بارقة أمل تلوح في الآفاق وتبشر بانطفاء حرب روسيا على أوكرانيا في المدى القريب، ولا بصيص ضوء خابٍ يلمع ولو على خجل في نهايات أنفاق ونفاق عالمنا الغريب العجيب..

على العكس تماما، فثمة ما يشير إلى مزيد من التسخين والتأزيم والتلويح بحروب كنا نظن أن جمراتها لن تزهر في رحم الرماد البارد. العالم المجنون قاب وجعين أو أدنى من كارثة لا حيّ يعلم إلى أين يمكن أن توغل بنا.

رغم تحفظي على الأخذ بعلامات الفال السيئ مما حولنا من أحداث ومؤشرات ودلالات، إلا أن اكتشاف علماء وكالة الفضاء الأميركية "ناسا" قبل أيام لتركيب غريب على سطح كوكب المريخ يشبه وجه الدب، جعلني أضع يدي على دفة صدري، وأهمس لقلبي الكنغر أن الأمر بات أقرب مما تتصور أيها القافز الفازع. نحن على عتبة حرب أوسع وأعمق، فأن يُنقش دبٌّ بكامل دلالتها الروسية الحاضرة على صفحة كوكب الحرب؛ فهذا ما لا يستطيبه حتى أنصاف المتشائمين.

طالما كنت أنظر إلى وجه الدب بوداعة طفولية، رغم ما يمتلكه من أنياب رمحية وأظفار منجلية، إلى أن جاء الاعتداء الروسي الأخير؛ فرأيته وحشا كاسرا يزفر حربا ويشهق أخرى.

يميل البشر إلى رؤية السمات المألوفة لديهم في الأشياء العشوائية من حولهم. كأن ترى مثلاً وجه بومة في تعاريج صخرة متآكلة على كتف الوادي، أو تلمح غراباً على خثرات ساق شجرة هرمة عند مستهل الطريق، أو أفعى تتلوى في تلافيف كثيب رملي قبل مشرق الصحراء. وهذه ظاهرة معروفة منذ زمن ويُطلق عليها اسم "باريدوليا"، ويبررها العلماء بالخوف الدفين في الأنفس من مجهول يتربص ويخاتل ويتلون.

ما فاقم تشاؤمي أن يتم الإعلان عن وجه ذلك الدب بالتزامن مع تصريح لنائب رئيس مجلس الأمن الروسي ديمتري ميدفيديف يؤكد فيه أن الحرب العالمية الثالثة إذا اندلعت فلن تبدأ على الدبابات التي ستصل أوكرانيا من حلفائها قريبا، بل سيتحول كل شيء إلى غبار. هو النووي يا كنغر، وما أدراك ما النووي.

طالما كنت أنظر إلى وجه الدب بوداعة طفولية، رغم ما يمتلكه من أنياب رمحية وأظفار منجلية، إلى أن جاء الاعتداء الروسي الأخير؛ فرأيته وحشا كاسرا يزفر حربا ويشهق أخرى. وكذلك لم أنظر يوماً إلى المريخ إلا أنه كوكب للحب رغم ما ينسج حوله من حكايات مرعبة..

ففي الأسطورة الغربية يرمز المريخ إلى مارس، سيد الحرب، لما له من لون دموي يتسيد عتمة السماء ويجرحها. والمريخ في تراثنا العربي كان كوكبا مرعبا غاضبا مزمجرا أيضا، وسمي مريخا لأن نباتا صحراويا يطلق عليه "المرخ" يشتعل من تلقاء نفسه حين تهزّ الريح أغصانه اليابسة. ولهذا يحزنني أن تجتاح ظلال الحرب كوكبا كان يرى فيه العاشق ثغر معشوقته الباسم، وقلبها النابض.

ولكي تأخذ البشرية الأمر على محمل الحرب والكرب؛ فقد تم قبل أيام تقديم عقارب ساعة "يوم القيامة" الشهيرة، التي يتخذها علماء الذرة مؤشرا دقيقا لبعدنا أو قربنا من حرب نووية شاملة، تم تقديم الساعة عشرين ثانية إلى الأمام، فصرنا على بعد تسعين ثانية عن حرب لربما تنهي لون الحياة على كوكبنا الأزرق ويصل غبارها المريخ.

ألا من يسقط راء الحرب ويريحنا قبل هذا.

الأكثر قراءة

No stories found.


logo
إرم نيوز
www.eremnews.com