حرب أوكرانيا.. إذ تمهّد لـ«نظام عالمي جديد»

حرب أوكرانيا.. إذ تمهّد لـ«نظام عالمي جديد»

الرغبة في إنهاء الحرب بين روسيا والتحالف الغربي الذي يدعم أوكرانيا قد تتساوى، لكن حسابات وقف إطلاق النار وتوقيته وظروفه تختلف، كذلك بالنسبة لترتيبات ما بعده. إذ أن شروط أي سلام مستقبلي تتغيّر من مرحلة لأخرى، سواء في تبدّلات جغرافية ترسمها وقائع القتال وخريطة الدمار المتوسّعة، أو في انعكاسات جيو- سياسية واقتصادية للحرب. ورغم أن المراهنة على الاستقطابات الدولية جُرّبت طوال عام وظهرت حدودُها وتعقيداتها، أولاً بسبب تأثير العولمة، وأيضاً لأن الدول كافة تتمسك بمصالحها وعدم استعدادها للانخراط في مواجهة تفسد استقرارَها. إلا أن محاولات استمالة هذه الدول لم تتوقّف، حتى مع عدم وجود دوافع أيديولوجية تستدعي انحيازَها أو اصطفافَها، كما في الحرب الباردة، أما الدوافع السياسية وإن كانت وجيهة، فإن الدول في معظمها لا ترى حتميةَ حسمها بالحرب.

ما يقلق الكتَّابَ والمحللين الغربيين هذه الأيام ليس أن العالم يعود إلى وضعية المعسكرَين، الشرقي والغربي، فهو لم يغادرها فعلياً منذ انتهاء الحرب الباردة، أما الأكثر إقلاقاً في نظرهم فهو أن الغرب بزعامة الولايات المتحدة ارتكب أخطاءَ كبيرة في العقود الثلاثة الأخيرة خلال إدارته ما بعد سقوط الاتحاد السوفييتي وتعامله مع الصين التي خاضت إصلاحاً داخلياً عميقاً قادها إلى أن تصبح اليوم عملاقاً اقتصادياً دولياً، وتعتبر أن اكتسابها صفة الدولة العظمى ليس سوى مسألة وقت. أما القضية الأخرى مَثار القلق فهي مستقبل «المعسكر الغربي» الذي لا ينفكّ يُظهر عواملَ ضعف تَحُول دون حفاظه على نفوذه أو دوام نموذجه، أكان في الجانب المعنون بـ«الديمقراطية» أو في الجانب الآخر المتمثّل بـ«حرية السوق الاقتصادية». لكن اللوم في تراجع هذا النموذج يقع على الغرب نفسه، إذ لم يحسن تطبيقه، ولطالما تعامل مع العالم بالاستثمار في أزماته أو بإخضاع نزاعاته لمعايير عديدة ومتناقضة في كثير من الأحيان.

وضع الرئيس الصيني زيارته لموسكو تحت ثلاثة عناوين مدروسة: صداقة وتعاون وسلام. ولكلٍّ منها مغزاه وأبعاده وحدوده. فالصداقة بديل الأحلاف والمحاور، والتعاون دليل «شراكة» لا صراع، والسلام سبيل ضمان المصالح للجميع.

ومن هنا جاءت المطالبة بـ«نظام عالمي جديد»، وقد باتت مزمنة منذ أن طُرحت المسألة بصيغة «إصلاح» الأمم المتحدة وآليات عملها وفاعلية قراراتها وصلاحيتها في استباق حالات الانزلاق إلى الحرب ودورها في حفظ السلْم. كانت الدعوات إلى الإصلاح إنذارية وكافية لإثبات أن العالَم يتجه نحو انقسامات وصدامات، تماماً مثل الدعوات السابقة واللاحقة إلى مكافحة الفقر بتعزيز التنمية أو إلى معالجة أزمة الاحتباس الحراري وتطوير الوقاية من الأوبئة. لم تُهمل دعوات الإصلاح السياسي، بل دُرست ونُوقشت طويلاً، لكن من دون التوصّل إلى أفكار يمكن تطبيقها، فالخلافات كانت وما تزال أكبر من إنتاج حلول سلمية تُرضي أعضاءَ الأسرة الدولية كافةً. لذا يتجدّد السؤالُ دائماً عن «جدوى» الأمم المتحدة؟ ولماذا أنشأها أقطاب العالَم واعتبروا قراراتها بمثابة قوانين دولية إذا كانوا يبيّتون النية لحلَّ خلافاتهم بالاحتكام إلى الحرب، مباشرةً أو بالوكلة؟

وضع الرئيس الصيني زيارته لموسكو تحت ثلاثة عناوين مدروسة: صداقة وتعاون وسلام. ولكلٍّ منها مغزاه وأبعاده وحدوده. فالصداقة بديل الأحلاف والمحاور، والتعاون دليل «شراكة» لا صراع، والسلام سبيل ضمان المصالح للجميع. وقد جدّد الرئيسان الصيني والروسي تفاهمهما على السعي إلى «نظام عالمي جديد». هذا النظام يُفترض أن ينبثق من كوارث حرب أوكرانيا التي بات الجميع على يقين بأنها لن تنتهي بغالب ومغلوب، ويجب أن تتوقف الآن لاستحالة إعادة الأوضاع إلى ما كانت عليه قبلها، وإلّا فإنها ستندفع نحو أسوأ ما يمكن تخيّله من كوارث الحروب.

الاتحاد

الأكثر قراءة

No stories found.


logo
إرم نيوز
www.eremnews.com