ثورة شعبيّة حقيقيّة لا يمكن الاستهانة بها
ثورة شعبيّة حقيقيّة لا يمكن الاستهانة بها

عالم الفوضى التي لا حدود لها

كيف ستتصرّف إدارة جو بايدن من الآن فصاعدا مع إيران؟ هذا هو السؤال المطروح في هذه المرحلة التي يشهد فيها العالم تحولات كبيرة في ضوء ما يجرى في الصين وروسيا وأوروبا.

يعيش العالم فصلا جديدا مختلفا منذ نهاية الحرب الباردة، في ظلّ فوضى لا حدود لها. في أساس الفوضى وجود إدارة أميركيّة حائرة والمغامرة الأوكرانيّة لفلاديمير بوتين وانعكاساتها الخطيرة على أوروبا وظهور الصين على حقيقتها كعملاق اقتصادي يواجه مشاكل داخليّة ضخمة يصعب على النظام مواجهتها. فوق ذلك كلّه، توجد “الجمهوريّة الإسلاميّة” في إيران التي استغلت إلى حد كبير الحيرة الأميركيّة للاستمرار في مشروع توسّعي لا أفق له، لا على الصعيد الداخلي الإيراني ولا في المنطقة…

انتهت الحرب الباردة في بداية العام 1992 مع الإعلان رسميا عن تفكّك الاتحاد السوفييتي، وهو تفكّك حصل عمليا مع انهيار جدار برلين في تشرين الثاني – نوفمبر 1989. لكنّ هذه الحرب ما لبثت أن تجددت بوجود قوى تعتقد أن العالم لا يزال متعدد الأقطاب وأن في استطاعة روسيا لعب الدور الذي كان يلعبه الاتحاد السوفييتي بفضل امتلاكها صواريخ وقنابل نووية، فيما باتت الصين ثاني أكبر قوّة اقتصادية في العالم… مع مشاكل معروف كيف بدأت مع جائحة “كوفيد” وليس معروفا كيف ستنتهي.

استطاع النظام في إيران استغلال الفوضى العالميّة محاولا توظيفها في مصلحته. هل يتمكن من ذلك أم لا، خصوصا بعد انكشاف عمق العلاقة التي تربطه بفلاديمير بوتين؟ ليست هذه الفوضى العالميّة وليدة البارحة، لكنّ الواضح أن عناوين صينية وروسية وأوروبية وإيرانيّة ستشغل العالم في المرحلة المقبلة.

 لا يمكن الجزم بأن إيران ستكون قادرة على تجاوز أزمتها الداخليّة بسهولة على الرغم من المواقف الأميركيّة والأوروبية المتذبذبة من الثورة الشعبية التي تشهدها "الجمهوريّة الإسلاميّة"

استطاع النظام في إيران استغلال الفوضى العالميّة محاولا توظيفها في مصلحته. هل يتمكن من ذلك أم لا، خصوصا بعد انكشاف عمق العلاقة التي تربطه بفلاديمير بوتين؟ ليست هذه الفوضى العالميّة وليدة البارحة، لكنّ الواضح أن عناوين صينية وروسية وأوروبية وإيرانيّة ستشغل العالم في المرحلة المقبلة.

◘ لا يمكن الجزم بأن إيران ستكون قادرة على تجاوز أزمتها الداخليّة بسهولة على الرغم من المواقف الأميركيّة والأوروبية المتذبذبة من الثورة الشعبية التي تشهدها "الجمهوريّة الإسلاميّة"

الأكيد أن كلّ عنوان من هذه العناوين سيؤثّر على المنطقة، لكنّ العنوان الأبرز سيظلّ العنوان الإيراني لأسباب عدّة من بينها إصرار طهران على المضي في مشروعها التوسّعي. سيعيق التوجه الإيراني الواقع المتمثّل في أنّ “الجمهوريّة الإسلاميّة” التي أسسها آية الله الخميني في العام 1979 تعيش ثورة شعبيّة حقيقيّة لا يمكن الاستهانة بها. يعود ذلك إلى أنّ الشعوب الإيرانيّة كلّها باتت مستاءة من النظام ولم تعد تخفي رفضها له ولكلّ الشعارات التي يحتمي بها، بما في ذلك فرض الحجاب على المرأة. لم يعد الأمر مقتصرا على الأكراد والبلوش والعرب. هناك رغبة أكيدة في حصول التغيير لدى الأذريين الذين يشكلون ثلث سكان إيران والذين يحتلون مواقع أساسيّة في السلطة والمرافق الاقتصادية. من بين الأذريين، هناك “المرشد” علي خامنئي الذي لم يعد قادرا على التحكّم في المنطقة التي جاء منها وحتّى في سلوك أفراد من عائلته.

يؤكّد ذلك، أنّه بعد شهرين على وفاة الفتاة الكردية مهسا أميني أثناء احتجازها لدى شرطة الأخلاق ظهرت فريدة مراد خاني، ابنة شقيقة علي خامنئي ودعت الحكومات الأجنبية إلى قطع كل علاقاتها بطهران. حظي مقطع فيديو لفريدة، وهي مهندسة كان والدها شخصية بارزة في المعارضة وتزوج شقيقة خامنئي، بانتشار واسع على الإنترنت.

قالت فريدة في الفيديو “أيتها الشعوب الحرة، ساندونا وأبلغوا حكوماتكم بأن تتوقف عن دعم هذا النظام الدموي قاتل الأطفال… هذا النظام ليس وفياً لأي من مبادئه الدينية، ولا يعرف أي قواعد سوى القوة والتشبث بالسلطة”.

كذلك، قالت فريدة “حان الوقت الآن لكل الدول الحرة والديمقراطية كي تستدعي ممثليها من إيران كبادرة رمزية، وأن تطرد ممثلي هذا النظام الوحشي من أراضيها”.

استفادت “الجمهوريّة الإسلاميّة” في السنوات الماضية من أخطاء أميركيّة أوّلا. في طليعة هذه الأخطاء الحرب التي شنتها إدارة جورج بوش الابن على العراق. غيرت أميركا كلّ التوازنات الإقليمية عندما سلمت العراق على صحن من فضّة إلى إيران. كانت السيطرة الإيرانيّة على العراق، وهي سيطرة تجددت مع تشكيل حكومة عراقيّة جديدة برئاسة محمّد شياع السوداني، مؤشرا على وجود نوع من التواطؤ الأميركي مع “الجمهوريّة الإسلاميّة” على الرغم من عجز واشنطن عن التوصل إلى اتفاق يؤدي إلى إعادة الحياة إلى الاتفاق النووي الموقع صيف العام 2015.

 استطاع النظام في إيران استغلال الفوضى العالميّة محاولا توظيفها في مصلحته. هل يتمكن من ذلك أم لا، خصوصا بعد انكشاف عمق العلاقة التي تربطه بفلاديمير بوتين

كيف ستتصرّف إدارة جو بايدن من الآن فصاعدا مع إيران؟ هذا هو السؤال الكبير المطروح في هذه المرحلة التي يشهد فيها العالم تحولات كبيرة في ضوء ما يجرى في الصين وروسيا وأوروبا.

لا يمكن الجزم بأن إيران ستكون قادرة على تجاوز أزمتها الداخليّة بسهولة على الرغم من المواقف الأميركيّة والأوروبية المتذبذبة من الثورة الشعبية التي تشهدها “الجمهوريّة الإسلاميّة”. فما هو لافت حاليا التركيز في الولايات المتحدة وفي بريطانيا على ما يجري في الصين وشبه تجاهل لما يدور في إيران. لم يحصل، على سبيل المثال وليس الحصر أي تركيز على الفيديو الذي ظهرت فيه فريدة مراد خاني. يبدو أنّ هناك رغبة واضحة في إبقاء قنوات الاتصال مفتوحة مع إيران على الرغم من كلّ القمع الذي يمارسه النظام في حق الشعوب الإيرانيّة، خصوصا الأكراد والعرب والبلوش. في المقابل، هناك إبراز غربي للأحداث التي تشهدها الصين حيث تظاهرات عارمة في كلّ المدن بسبب إصرار السلطات على سياسة “صفر كوفيد”.

اختلطت أوراق اللعبة الدوليّة أكثر من أي وقت. كثرت العناوين في ظلّ تجدّد الحرب الباردة. لا شكّ أن أميركا التقطت أنفاسها، خصوصا في ظلّ محافظة الديمقراطيين على الأكثريّة في مجلس الشيوخ… وغرق فلاديمير بوتين في الوحول الأوكرانيّة وانكشاف حقيقة الجيش الروسي ومؤسسة الصناعات العسكرية الروسيّة. إلى جانب ذلك كلّه، تواجه الصين صعوبات حقيقيّة تهدّد وحدتها وآلتها الاقتصادية في المدى الطويل. في الوقت ذاته، تمرّ أوروبا بأزمة طاقة لا سابق لها بسبب انقطاع الغاز الروسي وفي غياب بديل عن هذا الغاز، أقلّه في الوقت الحاضر…

ما الذي ستفعله أميركا التي انتعشت نسبيا؟ كيف ستتعاطى مع إيران؟ هل تتركها تستمر في مشروعها التوسّعي وفي برنامجها النووي… أم تسعى إلى استرضائها؟ ثمة عناوين وأسئلة كثيرة في عالم يعيش فوضى لا سابق لها منذ ثلاثة عقود… أي منذ انهيار الاتحاد السوفييتي.

العرب

الأكثر قراءة

No stories found.


logo
إرم نيوز
www.eremnews.com