الجيش و «داعش» ... و «الثلاثية»
الجيش و «داعش» ... و «الثلاثية»الجيش و «داعش» ... و «الثلاثية»

الجيش و «داعش» ... و «الثلاثية»

الياس حرفوش

الذين تفاءلوا خيراً بالانتصارات التي يحققها الجيش اللبناني في معركته مع تنظيم «داعش»، على أمل بأن تمهد لإحياء إجماع بين اللبنانيين حول تضحيات جيشهم على الحدود، فاتهم أن هذه الانتصارات يحققها الجيش في غياب الزاوية الثالثة من تلك «الثلاثية» المفروضة عليهم بقوة السلاح، أي زاوية المقاومة، بعدما أصرت قيادة الجيش على عدم وجود تنسيق مع أي طرف، لا مع «حزب الله» ولا مع الجيش السوري، في معركة «فجر الجرود». «حزب الله» إذاً هو خارج هذه المعركة، وهو أمر يواجهه الحزب للمرة الأولى منذ تحرير الجنوب عام ألفين، مروراً بالمواجهة مع إسرائيل في حرب 2006، وصولاً الى معركة جرود عرسال التي اختار «حزب الله» خوضها، فيما اختار الجيش الوقوف في صف الدفاع عن الجهة اللبنانية من الحدود.

«حزب الله» يحارب هذه المرة على الجهة الأخرى من الحدود. وهو يقف في واقع الأمر حيث اختار أن يكون منذ بدأت الحرب السورية، مدافعاً عن نظام القمع هناك، ومساهماً بقدر ما أتيح له أن يساهم، في تهجير لاجئي سورية الى لبنان، وبالتالي في جلب هذا العبء البشري الذي تحوّل الى مشكلة أمنية وسياسية واجتماعية واقتصادية، ألقيت على عاتق حكومة لبنان وشعبه، بعدما أفلتت الحدود من يد جيشه، الذي يحارب الآن لاستعادة السيطرة عليها.

تعجّل الذين تفاءلوا بانتصارات الجيش، وتجاهلوا أن الإعلان المتكرر لقيادة الجيش وللحكومة المسؤولة عن عملياته أن الحرب التي يخوضها ضد «داعش» يخوضها منفرداً ومن دون تنسيق مع «حزب الله» أو مع الجيش السوري، تجاهلوا أن إعلاناً كهذا لا بد ان يكون له ثمن. إنه إعلان لا يصدر إلا من دولة مستقلة وذات سيادة. وهل بوسع لبنان أن يكون مثل هذه الدولة، في ظل هيمنة «الدولة» الأخرى التي تقبض على قراره الإستراتيجي في الحرب والسلم، والتي تسخر من نظرية «النأي بالنفس» التي منّى بها بعض مسؤوليه أنفسهم، على أمل بإبعاد كأس المأساة السورية عنهم؟

لهؤلاء القائلين بقدرة جيش لبنان على خوض الحرب منفرداً على الحدود، جاءهم الجواب من قيادة «الدولة» المذكورة ذات مساء. إنها هي التي تقرر مسار الحرب على الحدود وشروط انتهائها، وهي التي تقرر التفاوض أو عدمه مع من كانوا بالأمس «إرهابيين»، وكانت الاتهامات تُكال في لبنان الى ما كان يسمى «البيئات» التي تحتضنهم. هؤلاء الإرهابيون أنفسهم مدعوون اليوم الى طاولة التفاوض، ليقرروا مع محور «الممانعة» متى يصحّ انسحابهم من أراضي لبنان، وما هو الثمن السياسي الذي يجب أن تدفعه حكومة لبنان مقابل هذا الانسحاب. بل إن هذه المفاوضات تشمل أيضاً مصير تسعة جنود خطفهم هذا التنظيم الإرهابي. هؤلاء أيضاً لا بد أن يكون لإطلاقهم من قبضة «داعش» ثمن، والثمن هذه المرة مطلوب أن يدفعه لبنان لنظام بشار الأسد، في انقلاب غريب على مفهوم أي تفاوض، حيث تُدفع الفدية عادة للخاطف. لكن الخاطف في هذه الحالة متعدّد الوجوه، ما يدفع الى السؤال الأبدي: أين يشتغل «داعش» ولمصلحة من؟ وفي أي نهر يصب إرهابه في نهاية المطاف؟

لم يكن مستغرباً والحال هكذا أن يضاف الجيش السوري الى الثلاثية «المذهبة» التي زاد الآن وزنها وسعرها، وصارت رباعية من ألماس. هذا الجيش يستعيد الآن بالتعاون مع «حزب الله» سيطرته على كامل المنطقة المحاذية للحدود مع لبنان، فيما يضع الحزب ذلك في إطار حرصه على إعادة علاقة حكومة لبنان مع نظام بشار الأسد الى ما كانت عليه في الماضي، عندما كان لبنان يُحكم من دمشق. إنه «الانتصار» الذي يفاخر به «حزب الله» ويقارنه بتحرير الجنوب عام ألفين.

الذين يتباكون اليوم على السيادة المنقوصة، وعلى ما يسمونه «الابتزاز» الذي تتم ممارسته بحق لبنان، لجرّه مخفوراً الى الاعتراف بنظام دمشق، عليهم أن يتذكروا أن استسلامهم للهيمنة التي تم فرضها بالقوة على مؤسسات الدولة، من طريق الاغتيال والتعطيل والتهويل والمقايضات، هو الذي أوصل لبنان الى ما هو عليه اليوم.

إنه البكاء المتأخر على السيادة، عندما لم يعد ينفع بكاء.

الحياة

هذا المقال يعبر عن رأي الكاتب ولا يعكس بالضرورة وجهة نظر شبكة إرم نيوز

الأكثر قراءة

No stories found.


logo
إرم نيوز
www.eremnews.com