الفلسطينيون كسبوا «معركة العلاقات العامة».. ماذا عن معركة الحقوق؟!
الفلسطينيون كسبوا «معركة العلاقات العامة».. ماذا عن معركة الحقوق؟!الفلسطينيون كسبوا «معركة العلاقات العامة».. ماذا عن معركة الحقوق؟!

الفلسطينيون كسبوا «معركة العلاقات العامة».. ماذا عن معركة الحقوق؟!

فشلت إسرائيل في تحقيق ما كانت تسعى إليه: «شيطنة» الرئيس عباس والسلطة الفلسطينية، وتحميلهما وزر فشل مهمة جون كيري، وإعادة انتاج سيناريو «ما بعد فشل مفاوضات كامب ديفيد عام 2000» ... والحقيقة أن نتنياهو وأركان حكومته، ورهط من المؤيدين لإسرائيل في واشنطن، استثمروا الكثير في هذه المحاولة، بيد أن جهودهم جميعاً باءت بالفشل.



ويخطئ من يظن أن الأمر قليل الأهمية ... فما حصل في العام 2002 من إعادة احتلال الضفة الغربية، وتدمير منشآت السلطة ومرافقها، وحصار ياسر عرفات في مقاطعته، وصولاً لاغتياله، ما كان له أن يحصل، لولا نجاح إيهود باراك، ومن بعده أريئيل شارون، في «شيطنة» الزعيم الراحل، وتحميله وزر الفشل، واعتباره «ليس ذي صلة» ... ولو أن نتنياهو وجوقة الجنرالات والحاخامات ولوبي الاستيطان المحيط به، نجحوا في مساعهم، لكان ذلك بمثابة ضوء أخضر لهم، لفعل ما أرادوا فعله، بالشعب والحقوق والسلطة والرئاسة.

واشنطن لم تحمّل عباس والسلطة المسؤولية عن فشل المفاوضات ... حتى إن جاء موعد شهادة جون كيري أمام الكونغرس، بدا ميّالاً لتحميل إسرائيل القسط الأكبر من المسؤولية عن الفشل، رادّاً ذلك، إلى قرارها الامتناع عن إطلاق الدفعة الرابعة من الأسرى، وطرحها عطاءات لبناء استيطاني جديد في القدس ... هذا التطور في الموقف الأمريكي، أطلق الكثير من أجراس الإنذار في مكتب رئيس الوزراء الإسرائيلي، وأشعل جميع «اللمبات» الحمراء في الوقت ذاته.

توضيحات الإدارة لأقوال كيري في شهادته، لم تغير من حقيقة أن الكلمة التي انطلقت، لها فعل الرصاصة، وليس بالإمكان سحبها أو إعادتها إلى «المخزن» ... ما حصل قد حصل، والمؤكد أن تداعياته في عواصم غربية عدة، ستكون أكبر وأوضح مما جاءت عليه في واشنطن، العاصمة الأكثر «حميمية» تجاه إسرائيل، والتي تبدو أحياناً إسرائيلية أكثر من تل أبيب.

منذ انطلاقة مهمة كيري، كان واضحاً أن الجانبين الفلسطيني والإسرائيلي، يخوضان معركة «علاقات عامة»، كل فريق يريد أن يدرأ الاتهام عن نفسه، بالتسبب في فشل مهمة رئيس الدبلوماسية الأمريكية ... بلعت الأطراف، خصوصاً الفلسطينيين، ما لا يمكن ابتلاعه، من أجل تفادي الاتهام الأمريكي بالمسؤولية عن العرقلة والإحباط ... المعركة تكاد تضع أوزارها، ولم يبق على نهاية المهلة المحددة لمهمة كيري سوى أسبوعين، ومن الواضح تماماً أن الجانب الفلسطيني هو من كسب الرهان.

لقد تناولنا «معركة العلاقات العامة» منذ انطلاقتها، وقلنا إن الجانبين يدخلان المفاوضات وهما يدركان الحدود المتواضعة للنتائج المتوقعة والمحتملة، بيد أنهما لا يمتلكان «ترف» الامتناع عن المشاركة أو الاستنكاف عنها .... وفي «الهزيع الأخير» لمهمة كيري، صادف أننا كنّا في واشنطن، ولقد قرأنا بعض الإيماءات والإشارات، التي جعلتنا نستبعد أن تقدم واشنطن على تحمل عباس وزر الفشل، أو المسؤولية الرئيسة عنه، وتوقعنا أن توزع إدارة أوباما المسؤولية على الطرفين بالتساوي ... بيد أن تصريحات كيري الأخيرة، جاءت بمثابة «مفاجأة سارة» لنا، إذ ذهب إلى تحميل نتنياهو القسط الأكبر من مسؤولية الفشل، ولا تهم بعد ذلك، بعض التوضيحات والاستدراكات الأمريكية المعروفة دوافعها وأهدافها.

ثمة مناخ يتغير في الولايات المتحدة، وبالأخص في الاتحاد الأوروبي، حيال إسرائيل ... الوضع في العواصم الأوروبية، بما فيها تلك المعروفة بانحيازها التاريخي الأعمى لتل أبيب، أفضل بكثير مما كان عليه قبل عشر سنوات .... ثمة مناخات ضيق واستنكار للسياسات الإسرائيلية، ثمة ضيق يصل حد «القرف» أحياناً من بعض الشخصيات الوزارية الإسرائيلية ... ثمة إحساس بان إسرائيل تمارس دور «أزعر الحي» في علاقاتها مع الفلسطينيين والعرب، وأنها الدولة المارقة التي يتعين على الغرب، أن يوفر لها الغطاء والمظلة وشبكة الأمان، دائماً وفي مطلق الأحوال، حتى وهي تسرق الأرض وتنهب الحقوق وتقتل الأطفال وتتحدى الشرعية الدولية.

وإذا كان هذا المناخ/ المزاج، لم يتحوّل بعد إلى سياسات رسمية للدول الغربية، إلا بالحدود الأوروبية الدنيا، وليس متوقعاً أن يصبح كذلك في المدى القريب، فإن السبب في ذلك يعود إلى عجزنا نحن العرب والفلسطينيين عن البناء على هذا الإنجاز، وتحويله إلى سياسات وإجراءات عملية ملموسة، تكرس عزلة إسرائيل وتنزع «الشرعية» عنها، وتعيد توصيفها كدولة احتلال إحلالي / استيطاني / عنصري.

لا شك، أن الفلسطينيين دفعوا ثمناً، قد نختلف في تقدير حجمه، نظير هذا الإنجاز ... وهو أمر يستحق أن يخضع للتقييم والتقويم في قادمات الأيام ... فثمة معادلة لا بد من بناء توافق وطني فلسطيني حولها، مفادها كيف تحفظ الحقوق والمصالح العليا للشعب الفلسطيني من جهة، وكيف تعمق وتجذر العلاقات الفلسطيني مع المجتمع الدولي، وتعيد بناء الرواية الفلسطينية في الغرب، من جهة ثانية ... هذه المعادلة، هي في صلب الجدل الذي يدور فلسطينياً اليوم، حول المصالحة والبرنامج السياسي وأدوات النضال التي يتعين اللجوء إليها، لرفع كلفة الاحتلال، وتظهير صورة إسرائيل بما هي عليه، كدولة مارقة، تمارس الاحتلال والنهب والعنصرية، في مفتتح القرن الحادي والعشرين... لقد كسب الفلسطينيون «معركة العلاقات العامة»، بيد أنهم ما زالوا بعيدين عن كسب معركة استرداد الحقوق، فكيف يمكن توظيف الكسب في المعركة الأولى، لصالح كسبٍ أهم، في المعركة الثانية؟ ... وكيف يمكن الحيلولة دون أن يصبح الكسب الأول، بديلاً عن الكسب الثاني أو على حسابه، وهذا هو الأهم؟!

وأخيراً، بين نظرية «المفاوضات حياة» وشعار «لا تفاوض للأبد»، أحسب أنه يتعين على الفلسطينيين الاعتذار من الشاعر الراحل نزار قبّاني، والبحث عن «منطقة وسطى ما بين الجنة والنار».

(الدستور)

الأكثر قراءة

No stories found.


logo
إرم نيوز
www.eremnews.com