انتصار طائفي أم وطني في الموصل؟
انتصار طائفي أم وطني في الموصل؟انتصار طائفي أم وطني في الموصل؟

انتصار طائفي أم وطني في الموصل؟

الياس حرفوش

 يتفق معظم التقارير الصحافية الغربية التي جاءت من المراسلين الذين غطوا الحرب المدمرة في الموصل واستعادة القسم الأكبر منها من «داعش»، على أن الدور الذي لعبه رئيس الحكومة العراقي حيدر العبادي كان حاسماً في هذا النصر، على رغم بعض الجيوب التي لا تزال تفرّخ للتنظيم في عدد من الأحياء. وهو دور حاسم وبالغ الأهمية مقارنة بذلك الذي لعبه سلفه نوري المالكي الذي قام فعلياً بتسليم المدينة إلى التنظيم الإرهابي، معتبراً أن أهلها لا يستحقون أفضل من ذلك، كما لا يستحقون أن يقوم جيشهم الوطني بالدفاع عنهم وحمايتهم. ذلك الاستسلام أهدى «داعش» كميات كبيرة من الأسلحة والدبابات وأجهزة الاتصال الحديثة التي قدمها الأميركيون للجيش العراقي، ثم تركها قادة هذا الجيش وراءهم بعدما أتتهم الأوامر بالانسحاب وترك الموصل وأهلها لمصيرهم التعيس.

هكذا، كانت قصة بداية «داعش» في الموصل التي باتت معروفة. ولكن ماذا سيحصل الآن بعدما استطاعت قوات مشتركة من الجيش والشرطة الاتحادية و «الحشد الشعبي» والتحالف الدولي لمكافحة الإرهاب، بالتعاون والتنسيق مع القوات الأميركية على الأرض ومن الجو، كسب هذه المعركة؟ كيف سيتصرف الحكم العراقي؟ وإذا كان همّ «داعش» استطاع توحيد العراقيين، شيعة وسنّة وكرداً، فهل يمهّد خلاصهم من التنظيم لعودة صراعاتهم من جديد؟ وبطريقة أخرى يمكن أن يطرح السؤال الآتي: من انتصر في الموصل؟ وهل توظف القوى التي ساهمت في هذه الحرب، وهي في معظمها قوى شيعية، هذا النصر لمصلحة الطائفة أم يتم توظيفه لمصلحة المشروع الوطني؟

أول المشكلات العالقة بعد تحرير الموصل يتصل بالعلاقة العربية - الكردية في هذه المنطقة. فبعد أن تقدم «داعش» للسيطرة على الموصل قبل ثلاث سنوات، تحركت وحدات «البيشمركة» الكردية وسيطرت على مناطق واسعة من محافظة نينوى لمنع التنظيم من التقدم باتجاه أربيل، عاصمة الإقليم الكردي. هذه المناطق هي الآن موضع نزاع كبير بين الطرفين، مثلما هو وضع محافظة كركوك. وبعدما كانت الحكومة المركزية تسيطر على هذه المناطق قبل عام 2014، فإن الأكراد هم الآن الطرف المهيمن. ويكتسب الوضع في هذه المناطق أهمية آنية بالنظر إلى إعلان القيادة الكردية التحضير لاستفتاء على الاستقلال في أيلول (سبتمبر) المقبل، وهو استفتاء تعارضه طهران.

أما عن العلاقات المذهبية في الموصل ذاتها، فإن مستقبل هذه العلاقات وقابليتها للانفجار تتوقفان على الطريقة التي ستدار بها المدينة والجهة التي ستتولى ذلك. وهو ما سيحدد إلى مدى بعيد ما إذا كان أبناء المدينة السنّة سيعتبرون أن لهم مستقبلاً آمناً في مدينتهم. هل سيتم الانتقام من هؤلاء بحجة أنهم «عملاء» أو متواطئون مع «داعش»؟ ومن سيتولى رعاية المهجرين نتيجة الحرب، والذين يقدر عددهم بـ700 ألف نازح؟ وكيف ستتم إعادة إعمار الموصل التي تذكر التقارير أن الدمار الذي أصابها شمل 80 في المئة من مبانيها على الأقل، وهو دمار تقول التقارير الصحافية أن أي مدينة لم تشهد مثيلاً له منذ الحرب العالمية الثانية؟

بعد كل ذلك، بل فوق كل ذلك، هناك الدور الإيراني في العراق الذي يشكل عنصر قلق بالغ بين أبناء البلد من السنّة الذين يشعر معظمهم بأنه محكوم من طهران وليس من بغداد. هل سيتمكن حيدر العبادي من أن يستعيد ثقة هؤلاء، وأن يوقف تدخل إيران ورجلها القوي قاسم سليماني في الشؤون العراقية؟ هل يستطيع رئيس حكومة العراق أن يهدي انتصار جيشه في الموصل إلى العراقيين، من كل الطوائف والمذاهب؟

من انتصر في الموصل؟ الجواب لن يقرر مستقبل هذه المدينة فقط، بل مستقبل العراق والمنطقة، كما سيقرر ما إذا كان المشروع الوطني قابلاً للحياة في وجه المشاريع الطائفية التي يمثل «داعش» أبشع صورها؟

الحياة

هذا المقال يعبر عن رأي الكاتب ولا يعكس بالضرورة وجهة نظر شبكة إرم نيوز

الأكثر قراءة

No stories found.


logo
إرم نيوز
www.eremnews.com