البحر من ورائكم والعدو من أمامكم
البحر من ورائكم والعدو من أمامكمالبحر من ورائكم والعدو من أمامكم

البحر من ورائكم والعدو من أمامكم

خالد القشطيني

تعود بعض الأمثال الدارجة إلى وقائع تاريخية، وأحياناً لكلمات تفوه بها بعض الرجال التاريخيين. من ذلك عنوان هذه المقالة «البحر من ورائكم والعدو من أمامكم». وهي الكلمات الخالدة التي نطق بها طارق بن زياد عند نزول القوات العربية من سفنهم استعداداً لفتح الأندلس ثم قيامه بحرق سفنهم، وهي إشارة إلى حالة الانحصار وانعدام الخيار. هناك أيضاً كلمة «وامعتصماه!» وهي الكلمة التي استعرناها من تلك المرأة العربية التي استباحها الروم عندما استولوا على مدينة عمورية، فاستغاثت بالخليفة المعتصم. «وامعتصماه»، فقال لها الضابط الرومي ساخراً: «فلينجدك الخليفة بخيوله الشهباء». سمع المعتصم بالواقعة فجيّش جيشاً كله على متون الخيول الشهباء وسيره إلى عمورية وانتقم لتلك المرأة.

وهناك من الأمثال ما ارتبط بواقعة تاريخية معينة، من ذلك القول «مثل ما فعل نيرون بروما»، في الإشارة إلى الحاكم المستبد الذي لا يعبأ بشقاء شعبه. ويشير القول إلى إحراق نيرون لمدينة روما وتفرجه وضحكه على المشهد. ومن الرومان أيضاً جاء المثل: «جئت فرأيت فاستوليت» (فيني - فيدي - فيجي). وهي كلمات يوليوس قيصر بعد استيلائه على منطقة الراين الخصبة الغنية من ألمانيا. والواقع أن هناك كلمات كثيرة ارتبطت بهذا الإمبراطور، ومنها القول: «حتى أنت يا بروتس»، وذلك أن أشراف روما تآمروا على قتله وكان آخرهم بروتس، صديقه الحميم. وقال «حتى أنت يا بروتس» فأرسلها مثلاً على خيانة الأصدقاء.

ومن الأقوال التاريخية الشائعة: «بعد خراب البصرة»، وهو قول يرجع إلى عهد العباسيين، ولكن في أيام تدهورهم، كما يدل المثل. وتعود حكايته إلى ثورة الزنج الذين جاء بهم العباسيون من أفريقيا ليستعملوهم في زراعة جنوب العراق، على نحو ما فعل الإنجليز عندما جاءوا بالزنوج من أفريقيا إلى أميركا لاستعمالهم في زراعة السكر والقطن. ولقوا في كلتا الحالتين أسوأ معاملة حتى نفد صبرهم فتمردوا بقيادة علي بن محمد، المعروف بصاحب الزنج. استولوا على البصرة ودمروها. وكان والي البصرة قد بعث إلى الخليفة في بغداد يطلب النجدة. ولكن الخليفة تهاون في الموضوع وعندما وصل جيشه إلى المنطقة، كان الزنج قد دمروا المدينة فقيل إنه وصل «بعد خراب البصرة!»، وسار القول مثلاً يعبر عن رذيلة التهاون والتباطؤ في الأمور. ويعبر الإيطاليون عن ذلك بقول ظريف يقول: «بين القول والفعل، تستهلك أزواج كثيرة من الأحذية». وللكاتب الأميركي إدوارد يونغ قول ظريف في ذلك. قال: «المماطلة حرامي الوقت!». والكلمة العربية تقول: «لا تؤجل عمل اليوم إلى يوم غد». ويحذر الإنجليز من التسويف والمماطلة فيقولون: «في يوم من الأيام يعني ولا يوم من الأيام». وهي حكمة سبق إليها شكسبير في قوله على لسان هملت: «شيئاً فشيئاً يقال بسهولة». بيد أن رذيلة المماطلة تقابلها رذيلة التسرع. وكان ذلك النصيحة التي وجهها الرئيس الأميركي جيفرسون لقائد جيشه جورج واشنطن عندما كتب إليه وقال: «التأخير خير من الخطأ»، وهو ما يقوله أهل الأردن: «كل تأخيرة فيها خيرة».

الشرق الأوسط

هذا المقال يعبر عن رأي الكاتب ولا يعكس بالضرورة وجهة نظر شبكة إرم نيوز

الأكثر قراءة

No stories found.


logo
إرم نيوز
www.eremnews.com