العالم على أبواب هامبورغ
العالم على أبواب هامبورغالعالم على أبواب هامبورغ

العالم على أبواب هامبورغ

إميل أمين

قبل ساعات من كتابة هذا المقال، انطلقت على أراضي مدينة هامبورغ الألمانية أعمال قمة العشرين، ذلك التجمع الذي ولد في عام 1999 بهدف تنسيق أعمال الكبار المالية والتجارية، ولتجنب الأزمات الاقتصادية العالمية الكبرى، سيما أن التجمع يمتلك بعض الميزات منها عدد سكان الدول المشاركة فيه، والذي يمثل نسبة 65.2% من سكان العالم، وكونها تساهم بنحو 80% من الناتج الإجمالي العالمي.

وعلى أبواب مدينة هامبورغ ثاني أكبر مدن ألمانيا الاتحادية وسادس أكبر مدن الاتحاد الأوروبي، يكاد العالم يجد نفسه أمام بدايات مشهد دولي جديد، يصدق فيه قول المثقف العضوي الإيطالي الكبير «أنطونيو جرامشي» (1891- 1997)، «القديم يلفظ أنفاسه والجديد يناضل لكي يولد، وبين الحالتين تلوح في الأفق كثير من علامات الاعتلال».

ولعل الناظر بعين التدقيق لأحوال الأمم والشعوب في العقدين الأخيرين يجزم بأن فترة زمنية ما، هي الحرب الباردة غالباً، وسيادة النظرة الشيوعية، قد ولت بعيداً، وفشل الحديث عن بلورة نظام عالمي جديد، تقوده الولايات المتحدة الأميركية بشكل خاص.

وعلى أبواب هامبورغ يأتي لقاء العملاقين الروسي والأميركي للمرة الأولى بعد غزل سنوات طوال بين دونالد ترامب رجل الأعمال والرئيس غير المتوقع، والقيصر بوتين رجل الاستخبارات الروسية العتيد.

هل سيكون اللقاء فرصة لتقسيم النفوذ حول العالم، وكأن هامبورغ «يالطا» جديدة؟

لا أحد يجزم بشيء في عالم عدم اليقين الذي نعيشه، سيما أن الملفات الدولية المفتوحة عريضة، ولعبة الشطرنج الإدراكية بين الطرفين ماضية قدماً.

يغاير القيصر ساكن البيت الأبيض في أن الأول أفكاره من رأسه، فيما تعاني الولايات المتحدة جراء اتهامات لا تزال مفتوحة، قوامها أن القيصر له يد في نتائج الانتخابات الرئاسية الأميركية لعام 2016، ولهذا يبدو أنه سيتعين على ترامب التشدد في لقاءاته مع بوتين، وأن يلزم دروب المناورات والمداورات، كي لا يتهم بأنه واقع تحت تأثير الزعيم الروسي، سيما في وقت يقوم فيه محامٍ خاص بالتحقيق في الاختراقات الروسية.

ويراهن كثير من المحللين السياسيين على أن نجاحات أو إخفاقات هذا اللقاء ستكون لها تبعات وتداعيات على ملفات كثيرة في المقدمة منها العلاقات الأوروبية الأميركية، والأوروبية الروسية، عطفاً على إشكاليات الشرق الأوسط القائمة والقادمة، وعلى رأسها الملف السوري، حيث فرص الاشتباك المسلح بين واشنطن وموسكو حاضرة في كل ساعة لولا رحمة ربك.

يقبل زعماء الدول العشرين على «هامبورغ الحرة الهانزية»، والتي اكتسبت اسمها من خلال عضويتها في العصور الوسطي ضمن الاتحاد الهانزي، والإرهاب الأسود بات الخطر الأكبر والهول الأعظم الذي يلاقي الجميع صباحَ ومساء.

ولعل ملف الإرهاب بنوع خاص يشكل جزءاً وافراً من النقاشات التي ستدور، ويحتاج إلى مواجهات غير تقليدية من خارج صندوق الأفكار التقليدية الكلاسيكية، وبخاصة في ضوء معطيات واقع تنظيم «داعش» الذي ينهار تنظيمها على أراضي سوريا والعراق، غير أنه يسعى إلى إيجاد حواضن جديدة له في شرق آسيا وبنوع خاص على أراضي الفلبين.

ثم هناك الخطر الثاني والمتمثل في عودة مقاتلي «داعش» إلى بلدانهم، مع فداحة الخطر المحدق من وراء ذلك.

أضف إلى ما تقدم أن كارثة دولة «داعش»، باتت فكرة لها أجنحة تطير عبر وسائط التواصل الاجتماعي، وأدوات الاتصال الحديثة لتجتذب لها أتباعاً ومريدين من قارات الأرض كافة، وهذه هي الكارثة وليست الحادثة.

أما الأوربيون فعليهم أن يقلقوا جراء مخططات «داعش» ضدهم، حيث توقعت أجهزتهم الاستخبارية حدوث عمليات إرهابية خلال الصيف الحالي بصفة خاصة.

على أبواب هامبورغ، يبدو أن الحلف الأوروبي الأميركي يعاني من شيخوخة بعد أن ولج عقده السابع، والشقاق الألماني الأميركي بنوع خاص آية دالة على ذلك.

خلال حملته الانتخابية الرئاسية، قرع ترامب الأوروبيين الذين لا يدفعون ما يتوجب عليهم دفعه كحصص في ميزانية «الناتو»، ووبخ الألمان الذين لا يقومون بشراء السيارات الأميركية، في حين تجد المرسيدس الألمانية وبقية الماركات الجرمانية التقليدية طريقها إلى السوق الأميركي.

وخلال الأيام القلية المنصرمة تعهد ترامب بالعمل على إنجاح قمة العشرين، لكن ميركل غير متفائلة وعندها أن الخرق يتسع على الرتق، ولهذا فإنه لا يمكن بحسب تعبيرها «تبديل الخلافات خلال يومين في هامبورغ»، فقبل أيام أسقط التيار المحافظ بزعامة ميركل كلمة «صديق» من وصف العلاقة مع الولايات المتحدة، وذلك في برنامجهم لخوض الانتخابات المقررة في سبتمبر المقبل، والذي جاء فيه: «لقد ولى إلى حد ما الوقت الذي يمكننا فيه الاعتماد تماماً على الآخرين، ويجب علينا نحن الأوربيين التحكم في مصيرنا بأنفسنا بحسم أكبر من الماضي».

وعلى أبواب هامبورغ لا يمكن للمرء أن يوفر الصين وآمالها وأحلامها في «الهيمنة الناعمة على العالم»، وفي هذا السياق يستلفت النظر التقارب الروسي الصيني الذي يبعث برسالة لصاحب البيت الأبيض مؤداها: «لستَ وحدك الآمر الناهي في شأن المسكونة وساكنيها».

وفيما كبار ضيوف العالم يتوافدون على هامبورغ، تحضر الجماعات اليمينية واليسارية، الشعبويون والقوميون، لتنظيم تظاهراتها رفضاً لسياسات الدول العشرين كافة، ما يطرح السؤال: إلى أين يمضي العالم؟ وهل من أحد لديه رؤية لقادمات الأيام، أم أنها كرة الثلج التي يتوقع انفجارها عما قريب؟

الليالي حبلى دائماً بالمفاجآت وتلدن كل عجيب.

الاتحاد

هذا المقال يعبر عن رأي الكاتب ولا يعكس بالضرورة وجهة نظر شبكة إرم نيوز

الأكثر قراءة

No stories found.


logo
إرم نيوز
www.eremnews.com