قطر... التمادي في الفتنة
قطر... التمادي في الفتنةقطر... التمادي في الفتنة

قطر... التمادي في الفتنة

إميل أمين

أفضل تعبير يمكن للمرء أن يفتح عينيه عليه هذا الصباح... «فات الميعاد»... غير قاصدين استحضار اللحن الشهير ولا الأغنية المعروفة، إنما واضعين نصب أعيننا تلك الفتنة اليقظة التي تسببت فيها قطر، من خلال عنادها غير العقلاني، وتعاميها السياسي والاستراتيجي عن رؤية الحقيقة لهدف أو لآخر.

نجحت قطر في أن تزيد مشهد الشرق الأوسط تعقيداً، وهو المليء بالفعل بالعقد التي لا نهاية لها، بل أحياناً ما يخيل للمتأمل في أحوال هذا الشرق، أن العقد والمشاكل فيه، تنافسان في عدهما، عدد رمال الصحراء.

احتكم الأمر وصمّت قطر أذنيها عن السمع، وعقلها عن التفكر والتدبر فيما طلبه منها الأشقاء، وجل همهم أن ترتدع عن السير في طريق الغواية، غواية الأموال السائلة التي ليتها سخرت لنماء وازدهار العرب، لا دفع ثلاثمائة مليون دولار في صفقة أخيرة لميليشيات إيرانية في العراق، لتصب في نهاية المشهد في جيوب الجنرال قاسم سليماني ورجالات الحرس الثوري الإيراني.

ثم ماذا الآن؟

أغلب الظن أن هذا هو التساؤل المطروح على مائدة النقاشات الاستراتيجية سياسياً ومالياً وربما عسكرياً في عواصم دول المقاطعة، سيما وأن هذا هو وقت الحزم والحسم، مرة وإلى ما شاء الله.

حتى منتصف ليل الأمس، كان المجال مفتوحاً والفرصة سانحة، غير أن الموقف القطري قاد الجميع إلى فتنة جديدة في حياة منطقة تلفها المشاكل والتدخلات.

ليس في السياسة ملائكة، ومسألة سواد العيون لا تجوز ولا تنطلي على أحد، ولا بد أن يكون لكل طرف فاعل مقصد، ولا بد له من غرض... ما الذي تقصده الدوحة، وماذا عن أغراضها المستقبلية؟

يكاد المرء يوقن بأن الدوحة تسعى في طريق إشعال الحرائق عبر تلبيس الأزمة أثواب المعارك، التي لم يسع في طريقها من قاطعها، ويبدو أن القيادات القطرية اختارت بالفعل الخيار شمشون.

حكماً لن يسقط في الفخ إلا من نصبه لأخيه، هذه هي المعادلة الطبيعية التي تعلمها سنن الحياة. ووسائل الرد والردع كثيرة تجاه المشهد القطري، وعلى الباغي تدور الدوائر، اقتصاديا وسياسيا، ولا مانع من التفكر في أسوأ الاحتمالات أن قدر للقائمين أن يمارسوا لعبة المراوغة والاستنجاد.

فالاستنجاد بالفرس القدامى أو غيرهم لن يوفر لقطر والقطريين المزيد من الأمن والأمان، الذي عرفوه طويلا في أحضان إخوة أشقاء، بينهم رابط من التاريخ واللغة، من الدم والدين.

الفرس وغيرهم خطان لا يصنعان صواباً تاريخياً معاصراً لقطر على حساب دول الخليج ومصر، تلك الشقيقة التي صبرت صبر الإبل على الدوحة وأعمالها إلى أن بلغ الألم الحلقوم.

الموقف القطري عبر التحليل النفسي يمكن إجماله في الكيد والكراهية، وفات الكارهون ما قاله الفيلسوف أوغسطينوس ذات مرة من: «إن تكره كمثل الذي يجرع السم متوقعاً أن يموت من يكرهه».

حكماً سوف يخلق المشهد القطري محنة دائمة ومستمرة للقطريين لا لمقاطعيهم، تنطلق من جوف اليقين المطلق بسلامة مواقفهم في مكابرة فارغة من المعنى والمضمون، ودون ترك هامش من الشك الإيجابي في أن يكونوا مخطئين، وربما كانت فلسفتهم في هذا وذاك أن «الغريق لا يخشى من البلل».

القارعة وراء أبواب قطر من كل جانب، والضيقة الكبرى تترصدها خلف الباب، فيما تنهار سمعتها الأدبية والأخلاقية في دائرة الشعوب الأوروبية بشكل خاص، حيث باتت تنظر لاستثماراتها بوصفها أموالاً مشبوهة تستخدم عوائدها في سفك دماء الأبرياء وإشاعة الإرهاب والخوف حول العالم، لا في الخليج العربي، أو عبر ربوع المحروسة فقط، تلك التي تشعر قطر تجاهها بالدونية الشديدة أمس واليوم وإلى الأبد، أو ما تقوم به في ليبيا من دعم لا محدود للجماعات الإرهابية وعلى رأسها جماعة الإخوان.

لا شيء يعيش أبداً في الفراغ، وإنما كل شيء يتشكل بالوعاء الذي يضمه، وقد اختارت قطر وعاءً كان يمكن له أن يأخذها إلى يفاع النبل، فإذ به ينحدر بها إلى الحضيض.

لا تغرنكم مكابرة قطر، فليلة الأمس كانت بالقطع ليلة بيضاء للقطريين، بيضاء من جراء أن النوم هجر جفونهم، قلقاً وأرقاً من جراء ما فعلته حكومتهم بهم، ومن الأسوأ الذي لم يأت بعد.

الشرق الأوسط

هذا المقال يعبر عن رأي الكاتب ولا يعكس بالضرورة وجهة نظر شبكة إرم نيوز

الأكثر قراءة

No stories found.


logo
إرم نيوز
www.eremnews.com