لا.. للجمهورية الفرنسية القطرية
لا.. للجمهورية الفرنسية القطريةلا.. للجمهورية الفرنسية القطرية

لا.. للجمهورية الفرنسية القطرية

إميل أمين

هل كانت فرنسا في حاجة لأن تعاني من العمليات الإرهابية حتى تدرك كارثية الدور القطري على أراضيها؟ تشهد فرنسا مؤخراً انتفاضة ضد ارتهان سياساتها لحفنة دولارات قطرية، وقد بدا واضحاً أن زمن إيمانويل ماكرون يجافي وينافي رئاسة نيكولاس ساركوزي الذي كاد أن يسلم بلاده لقطر تسليم مفتاح كما يُقال. والمتابع للمشهد الفرنسي تجاه قطر يدرك تمام الإدراك أن ماكرون -ومنذ زمن الانتخابات الرئاسية- قد وعد بإعادة النظر في الامتيازات المالية التي منحها ساركوزي لقطر، والتي استغلتها لإفساد الحياة السياسية الفرنسية من جهة، ولتمويل جماعات الإرهاب الأصولي في الدول ذات العلاقة العضوية بفرنسا مثل مالي التي تلقت من الدوحة نحو مليار دولار، من جهة أخرى.

المشهد القطري في فرنسا تتكشف أبعاده يوماً تلوم الآخر، لاسيما أن الاستثمارات كانت مدخلاً لإحياء وإذكاء نيران الإسلاموية الراديكالية، عبر مشاريع يبدو ظاهرها براقاً وباطنها مملوءاً بعظام نتنة.

انتفاضة رجالات الانتلجنسيا والسياسة الفرنسية ضد قطر واستثماراتها المشبوهة في فرنسا، لم تأتِ فجأة، وإن كانت مقاطعة دول الخليج ومصر قد يسرت لباريس فتح الملفات التي غلفت بالصمت وبالرشاوى ما جعل الصحفي الفرنسي الشهير «جورج مالبرينو» يؤكد على أن فصيلاً من سياسي «كيه دورسيه» أي وزارة الخارجية الفرنسية قد «جعلوا أنفسهم رهن المساومة».

وليس سراً أن ساركوزي وطغمته قد تلقوا ملايين الدولارات السوداء في الخفاء، لتسهيل دخولهم إلى الأسواق الفرنسية، واستثمار نحو 40 مليار يورو في العقارات والشركات والمصانع، بل إن مثلث العلاقات الممتد ما بين حمد بن جاسم وحمد بن خليفة وساركوزي تجاوز الحدود الفرنسية تخطيطاً وتنفيذاً وإرهاباً وصولاً إلى ليبيا، وهو ما ستكشف عنه قادمات الأيام دون أدنى شك.

ينقض الفرنسيون اليوم ضد ارتهان إرادة فرنسا السياسية، بعدما كادت فرنسا تتحول إلى «جمهورية فرنسا القطرية»، والتعبير هنا للكاتبة الفرنسية «برينجيير بونت».

أما نظيرتها الصحافية الاستقصائية «فانيسا راتينيه» صاحبة مؤلف «فرنسا تحت النفوذ» فتجزم بأن الدوحة قدمت رشى للسياسيين الفرنسيين بدءاً من العام 2008، حين كان النظام المالي الأوروبي منهاراً وكانت الحاجة للسيولة في السوق الأوروبية على أشدها، ما دفع قطر لاستغلال حالة الانهيار المالي وعيوب النظام الضريبي، لتخترق النخبة السياسية والمالية الفرنسية دفعة واحدة.

لم يكن هدف قطر والقطريين هو الاستثمار التجاري بل شراء النفوذ السياسي بطرق ملتوية، وتشجيع الأصولية الإسلامية في أطراف باريس ومنها إلى بقية أرجاء بلاد الغال التاريخية.

أحد أهم الباحثين الفرنسيين في عالم الإسلام السياسي، «جيل كيبل» يتهم قطر رسمياً بأنها استخدمت أموالها الفائضة، واستغلت جنود تركيا، للترويج للفوضى التي عرفها العالم العربي باسم «الربيع العربي»، ليس هذا فحسب بل إن الأيادي القطرية السوداء وجهت إلى الداخل الفرنسي عبر المشروع المعروف باسم «ضواحي الجمهورية».

يذهب « كيبل» إلى أن الاستثمارات القطرية لا تبغي تحقيق عائدات مالية، بل تسعى للاستحواذ على النفوذ، فمن خلال تشجيع المشاريع على أطراف باريس، حيث غالبية السكان من المهاجرين والمسلمين، عملت الأموال القطرية على إحداث شرخ عميق في الجدار أو النسيج المجتمعي الفرنسي، وهو ما أكده الصحافيان الفرنسيان «نيكولا بو» و «جارك مارى بورجيه»، في كتاب مشترك فضحا فيه تمويل قطر لعدد من المساجد في فرنسا.

أما عن إفساد الذمم والنفوس الفرنسية على أعلى المستويات فيكفينا الإشارة إلى «رشيدة داتي» التي عملت وزيرة للعدل في زمن ساركوزي، وقد ثبت أنها طلبت من قطر نحو نصف مليون يورو تمويلاً لإحدى جمعياتها، وعندما رفض طلبها باتت بوقاً يهاجم قطر صباح مساء كل يوم، بينما العضو في الحزب الاشتراكي «جان ماري لوغين»، عرض على السفير القطري في باريس، خدمات شركة لإدارة الاتصالات في قطر، والمقابل إسكات الأصوات داخل حزبه التي تنادي بما يسيء للدوحة. قطر في الداخل الفرنسي في وضع لا تحسد عليه، وأغلب الظن أن شعلة الانتفاضة ضد استثماراتها المشبوهة ستنتقل إلى عدد من الدول الأوروبية في مقدمتها بريطانيا، حيث فضيحة تمويل بنك باركليز رابضة لها خلف الباب.

وفشلت قطر بأموالها في دفع الرئيس الفرنسي ماكرون في الوقوف صفاً إلى جانبها في أزمتها الآنية، فيما وزير العدل الفرنسي «فرانسوا بايرو» يتحدث عن نيته وضع حد للامتيازات غير الشرعية التي حصلت عليها قطر، وقبلهما كان المتحدث باسم الحكومة الفرنسية «كريستوف كاستانيه» يطالب قطر رسمياً بالتحلي بالشفافية والرد على أسئلة جيرانها. ووصلت الانتفاضة الفرنسية ضد أموال قطر المشبوهة في فرنسا إلى داخل مجلس الشيوخ، حيث العضو «ناتالي غوليت» رئيسة مجموعة الصداقة الفرنسية الخليجية تطالب -علانية- بالتوقف عن جعل فرنسا ملاذاً ضريبياً لقطر ومنهلاً لتمويل الإرهاب حول العالم.

نهار الأربعاء 21 يونيو الجاري تلقى تميم بن حمد رسالة من ماكرون، ورغم أنه لم يكشف عن مضمونها إلا أن شهوة قلب رئيس فرنسا الشاب اتضحت مراراً في مطالباته العلنية للدوحة، بالشفافية وإماطة اللثام عن علاقاتها مع المجموعات الإرهابية، التي أراقت دماء الفرنسيين من نيس إلى الباتاكلان. هل سنرى موقفاً رسمياً فرنسياً مختلفاً عن حالة الميوعة الأوروبية والأميركية في أزمة قطر؟ الليالي حبالى بالمفاجآت، وغداً لناظره قريب.

الاتحاد

هذا المقال يعبر عن رأي الكاتب ولا يعكس بالضرورة وجهة نظر شبكة إرم نيوز

الأكثر قراءة

No stories found.


logo
إرم نيوز
www.eremnews.com