المستفيدون والمستهدَفون من تفكيك مجلس التعاون الخليجي
المستفيدون والمستهدَفون من تفكيك مجلس التعاون الخليجيالمستفيدون والمستهدَفون من تفكيك مجلس التعاون الخليجي

المستفيدون والمستهدَفون من تفكيك مجلس التعاون الخليجي

المستفيدون الإقليميون من تفكيك مجلس التعاون الخليجي هم إيران وإسرائيل بالدرجة الأولى، وكذلك تركيا. المملكة العربية السعودية تقع في طليعة المُستهدَفين نتيجة أي تفكيك لمجلس التعاون الذي يمثّل تكتّلاً أمنياً واقتصادياً وسياسياً، لأنها الوزن الأكبر في ذلك التجمّع. السياسة السعودية نحو مصر –والتي تدعمها فيها دولة الإمارات العربية– دقت ناقوس الخطر في أذهان المعارضين الإقليميين والدوليين لأي صعود عربي في موازين القوى الإقليمية، وهي سياسة مهمة جداً استراتيجياً وناجحة حتى الآن، بينما السياسة الخليجية نحو سورية لامست أو تلامس الفشل، وهي في أقصى حاجات المراجعة الشاملة، سيما على ضوء قرار دمشق الإطاحة بالعملية السياسية الانتقالية في سورية عبر إجراء الانتخابات الرئاسية هذا الصيف، فسورية والعراق، وهما الدولتان العريقتان الأساسيتان عربياً في موازين القوى الإقليمية، باتتا في الكفة الإيرانية الآن وليس في الكفة العربية. الدول الأعضاء في مجلس التعاون الخليجي تبعثرت على اختلاف أولويات كل منها، وبالذات القطرية والعمانية، وهذا يتطلب أولاً الإقرار الصريح بواقع التوجهات المختلفة لكل من الدول الست، وثانياً التفكير مليّاً بمعنى إنشاء نظام أمني إقليمي بديل وأبعاده، وثالثاً التعرف بدقة إلى موقف الولايات المتحدة من موازين القوى الإقليمية على ضوء التعاضد السعودي– المصري بدعم إماراتي تخشاه إسرائيل وتعمل ضده، ورابعاً جسّ نبض ما إذا كانت واشنطن تدعم تفكيك مجلس التعاون الخليجي وترى في التفكيك وسيلة من وسائل إرضاء إيران.

زيارة الرئيس باراك أوباما إلى الرياض تتطلب فرزاً جذرياً لهذه التساؤلات وإجابات استراتيجية متماسكة على مختلف الأصعدة والملفات.

إن مراقبة العلاقة الأميركية– الروسية على ضوء التطورات في أوكرانيا مهمة بالطبع، إنما يجب عدم الخلط بين الحزم والجزم في الملف الأوكراني وبين الأمل بانعكاس ذلك على العلاقة الأميركية– الروسية في بعدها السوري والإيراني، أو الإسرائيلي، أو الخليجي أو غيره.

ما يحدث في أوكرانيا يقع في معادلة حلف شمال الأطلسي (ناتو) وروسيا. الرئيس الروسي فلاديمير بوتين استُدرِج إلى التورط بإجراءات مكلفة له ولروسيا مهما بدا له أنه يتحدى الغرب وينتصر عليه ويحبط خططه. لقد نصب بوتين لنفسه فخاً أو وقع في الفخ الذي نُصِبَ له.

إجراءات ضم شبه جزيرة القرم تلبي متطلبات القومية الروسية الجامحة، إنما هذا الضم يقدم بقية أوكرانيا على طبق من ذهب إلى حلف الناتو وينفذ بذلك رغبات الانتفاضة الأوكرانية ضد روسيا.

وكما لخّص أحد الديبلوماسيين الغربيين المعادلة: إن الجائزة الأولى هي كييف وليس القرم. استئثار موسكو بالقرم يعني خسارتها كييف، ثم إن قيام موسكو بضم القرم يعزز مقولة دول البلطيق الراغبة بالانضمام إلى الناتو أن العدو هو روسيا، وأنها بحاجة للحماية عبر مظلة الناتو. بكلام آخر: إن ما سهّل أرجحية -أو حتمية- انضمام أوكرانيا إلى الناتو هو تماماً الأزمة الأوكرانية والإجراءات الروسية إزاءها، بالذات عبر إعادة امتلاك القرم، التي أهداها خروتشيف في القرن الماضي إلى أوكرانيا.

الغرب لا يعير القرم تلك الأهمية الفائقة، فمنذ البدء أرادت أكثرية دول الناتو أن تنضم أوكرانيا إلى الحلف. بوتين تصرف باعتباطية القومية اللامنطقية عندما قفز في فخ ضم القرم، متناسياً أن القرم مجرد ملحق وليس الأساس في الاستراتيجية الغربية نحو أوكرانيا.

إجراء الضم يعني عملياً بدء صفحة جديدة للدول الراغبة بالانضمام إلى الناتو، مثل أستونيا ولاتفيا، وهو أيضاً يعني بدء صفحة التقسيم وإعادة رسم الحدود في دول آسيا الوسطى، بدءاً بكازاخستان وغيرها، فوحدة الأراضي وسلامتها مبدأٌ رفعته روسيا شعاراً لها وتقوم الآن بأيديها بتمزيقه عملياً، إما لأنها وقعت في فخ الاستدراج أو في فخ القومية اللاعقلانية.

الدول الغربية مدت الحبل إلى بوتين ليشنق نفسه بنفسه، وكل ما عملته في الأمم المتحدة هو تأكيد المبادئ العامة، بما فيها مبدأ «سلامة الأراضي»، مع العمل نحو شرخ العلاقة الروسية– الصينية في إطار هذا المبدأ، وهي لو فشلت في عزل الصين عن روسيا، فإنها وضعت أولوية واضحة لها، وهي تعميق الحفرة التي تقع فيها روسيا.

حتى ألمانيا وجدت صعوبة في الاستمرار بالدفاع عن روسيا والانفصال عن بقية دول الاتحاد الأوروبي في عدة قضايا تتعلق بالموقف الروسي، وهذه موسيقى عذبة في آذان عدة دول أوروبية.

كل هذا لا يعني إطلاقاً أن الدول الغربية على استعداد لمواجهة مباشرة مع روسيا تتعدى العقوبات والعزل، فلا حاجة لها لأكثر طالما حصلت على جائزة كييف في صفوف حلف الأطلسي.

فلاديمير بوتين قد يقرر -وهذا مستبعَد- حصر خسارته والتوجه إلى مقايضات وتفاهمات كبرى مع الدول الغربية، وقد يقرر بدلاً من ذلك ترسيخ «انتصاراته» في أماكن أخرى، مثل سورية.

الدول الغربية لا تبالي بانتصارات روسيا في سورية، فالساحة السورية بدورها موقع انزلاق القدم لروسيا مهما تخيّلت موسكو انها تفوز بالجائزة الكبرى في تلك البقعة من الشرق الأوسط.

أخلاقياً، الدول الغربية -وبالذات الولايات المتحدة- مفلسة في كيفية تعاملها مع سورية بقدر إفلاس روسيا والصين معها، وبراغماتياً سورية هي مستنقع لروسيا وحلفائها في المحور، بغض النظر عن الانتصارات العسكرية الآنية. من وجهة النظر الأميركية، الفوز بدولة ممزقة، على شفير هاوية التشرذم، ساحتها مباحة في حرب الإرهاب واستقطاب أيديولوجية التدمير، قيادتها مرفوضة من قِبَل نصف الشعب، تراثها يُدمّر، وشعبها يُشرّد، ليس فوزاً ولا انتصاراً حقيقياً... إنه تورط لدولة كبرى اسمها روسيا في حرب أهلية في سورية، وهذا يصبّ في المصلحة الغربية، فواشنطن ليست منزعجة من عنجهية روسيا وغطرستها في سورية طالما أن هذه الدولة الكبرى تهبط إلى مستنقع حرب أهلية وتنصب نفسها الواجهة والعنوان للحرب على الإرهاب.

كل هذا لا يعفي الأميركيين ولا الروس من الإثم الأخلاقي في سورية، التي باتت شاهدة على انحدار القيادتين إلى الحضيض باسم الدفاع عن المصالح القومية لكل منهما.

الممثل الأممي والعربي في سورية الأخضر الإبراهيمي راهن على صياغة توافق أميركي– روسي في الشأن السوري، وخسر الرهان، فكل منهما في وادٍ: واشنطن لن تنخرط في سورية وستبقى في تملص ونأي بالنفس عنها للمرحلة الآتية، وروسيا ستبقى حليفاً للنظام في دمشق مهما كان.

استراتيجية النظام في دمشق في شقها الأول قامت على نسف بيان جنيف– 1 الداعي إلى إنشاء هيئة حكم انتقالي في سورية، عبر الإصرار على تقزيم المسألة السورية إلى حرب على الإرهاب، وهكذا توقفت محادثات جنيف- 2 عند ذلك الإصرار ورفْض محاولات التأقلم معه، باقتراح الإبراهيمي عقد محادثات متوازية تعالج مطلب التطرق إلى مسألة الإرهاب مع الهدف الأساسي لمحادثات جنيف، وهو تنفيذ بيان جنيف1، أي إنشاء هيئة الحكم الانتقالي.

الشق الثاني من استراتيجية نسف إنشاء الحكم الانتقالي ينفذ الآن عبر إجراء الانتخابات الرئاسية السورية. واقع الأمر أن مجلس الأمن لن يتحرك قيد أنملة لوضع العصا في عجلة هذه الانتخابات، التي تريدها روسيا بقدر ما يريدها النظام في سورية، وواشنطن لن ترفع أصبعاً.

هذا سيضع السعودية في موقع يضطرها إلى صياغة موقف واضح من التطورات السورية عشية وصول الرئيس أوباما إليها. الإبراهيمي وفق المصادر، يعتزم زيارة طهران غداً السبت، ربما في محاولة لطلب مساعدتها في حلحلة العقدة الانتخابية في سورية، وربما لإصلاح العلاقة بين طهران والأمم المتحدة بعدما سحب الأمين العام بان كي مون دعوته إليها لحضور جنيف– 2. أمام الرياض إذاً إما تعزيز دعمها الفعلي للمعارضة السورية في الميدان عسكرياً، أو إعادة النظر في مواقفها المعلنة لإسقاط النظام في دمشق والتعايش مع بقائه في السلطة عبر الانتخابات، وهذا ما تريد واشنطن بحثه بوضوح مع الرياض أثناء زيارة أوباما.

الزيارة لن تنصبّ حصراً على المسألة السورية، وكلا الطرفين يودّ للزيارة أن تخرج بعنوان استمرار العلاقة الثنائية التاريخية، مهما كان.

حقيقة الأمر أن إيران ومصر وفلسطين والعراق هي في طيات العلاقة الثنائية، وليس فقط سورية:

فبالنسبة إلى فلسطين، هناك توافق على الدور العربي، بالذات السعودي، في مساعي التوصل إلى اتفاق فلسطيني– إسرائيلي لتحقيق حل الدولتين.

أما مصر، فليست موقع توافق، سيما في إطار العلاقة الاستراتيجية السعودية– المصرية ووقْعها على معادلة موازين القوى الإقليمية، فواشنطن تلبي تل أبيب في مقاومتها صعود تحالف عربي وازن ضمن القوى الإقليمية.

سهواً أو عمداً، مواقف قطر نحو مصر تلبي الرغبة الأميركية– الإسرائيلية بقطع الطريق على تحالف سعودي– مصري هدفه الرئيسي استعادة الوزن العربي في موازين القوى الإقليمية. عنصر «الإخوان المسلمين» ليس سوى تفصيل جانبي في المعادلة.

الأزمة الأخيرة في العلاقة السعودية– القطرية لها أيضاً بُعد مهم في إطار مجلس التعاون الخليجي، لجهة بقائه أو تفكيكه، وهذا بدوره يدخل في معادلة موازين القوى وأنظمة الأمن الإقليمية.

قطر لم تتخلَّ قطعاً عن علاقتها التقليدية الجيدة بإيران، على الرغم من افتراقهما في المسألة السورية، وحرصت قطر كما عُمان، على التجاوب مع مطلب إيران الرئيسي الداعي إلى إنشاء نظام أمني يضم دول مجلس التعاون الخليجي وإيران والعراق في منظومة أمنية جديدة. هذا المطلب يتطلب، عملياً وواقعياً وبراغماتياً، تفكيك مجلس التعاون الخليجي.

عُمان أوضحت توجهها إيرانياً منذ فترة، وهي تعارض المطلب السعودي بإنشاء «اتحاد» بين دول مجلس التعاون الست: السعودية، الإمارات، الكويت، قطر، عمان والبحرين. زيارة الرئيس الإيراني حسن روحاني إلى مسقط هذا الأسبوع شددت على أواصر العلاقة بين الدولتين اللتين تسيطران على ضفتي مضيق هرمز الاستراتيجي الذي يعبره 40 في المئة من نفط العالم بحراً. وزير الخارجية يوسف بن علوي حرص على إبراز دور عمان في التقارب الأميركي– الإيراني سراً وعلناً منذ أيام الرئيس بيل كلينتون، وموقف عُمان من سورية -مثلاً- يتطابق مع موقف إيران وروسيا والنظام في دمشق، بأن سبيل الحل هو «إخراج الإرهابيين الأجانب من سورية».

مجلس التعاون الخليجي إذاً في مأزق، وفي اختلاف، وتفكك، وهما مطلوبان إيرانياً وإسرائيلياً، وربما أيضاً أميركياً. وما تهجُّم رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي على السعودية سوى جزء من استراتيجية تفكيك مجلس التعاون ليحل مكانه التصور الإيراني لنظام أمني جديد ولسياسة بديلة نحو سورية.

(الحياة)

الأكثر قراءة

No stories found.


logo
إرم نيوز
www.eremnews.com