قطر: القائد حين الفشل
عبدالله بن بجاد العتيبي
الفشل أمرٌ مكروه للنفوس، وهو أكثر كرهاً لدى القيادات المسؤولة عن شعوبها ودولها ومصالحها ومستقبلها، ولكنّ التحالف مع الفاشلين لا يؤدي إلا إلى الفشل، والتحالف مع الإرهاب والأصولية يؤدي للفشل، لأنهم أفشل الناس في السياسة والإعلام والحياة، فنجاحاتهم الوحيدة هي في إراقة الدماء وإزهاق النفوس. إدمان الفشل هي حالةٌ تعتري الإنسان حين يخسر كل رهاناته وتفشل كل رؤاه على مدى عقدين من الزمان، ويفشل كل حلفائه، فيصبح بينه وبين الفشل مودة توصله لحالة إدمان الفشل، هذه حالة إنسانية عامة، وهي لدى من يعتبر قائداً ومسؤولاً أكثر نكايةً وأبلغ ضرراً.
راهن الشيخ حمد بن خليفة على كل خصوم جيرانه في مجلس التعاون الخليجي من إيران إلى «الإخوان» إلى تركيا، فهو آذى الكويت أشد الإيذاء بدعمه لعناصر الفوضى ولجماعة «الإخوان»، وسعيه لشق صف الأسرة، وفعل الأمر ذاته وأكثر في البحرين، بدعمه لكل معارضي الدولة هناك وبالأخص المعارضين الإرهابيين، ولم يقم قدراً لعدد من قادة الدول الخليجية حين أحسنوا الظن فيه للتراجع عن بعض التوجهات السياسية والإعلامية، واشتغل طويلاً على زعزعة الاستقرار في السعودية والإمارات وعُمان.
الانتفاخ الفارغ يؤدي إلى انفجار البالون، وهكذا جرى بعد ما كان يعرف بـ«الربيع العربي»، فقد انفجر بالون قطر الوهمي، وتجلت الحقائق، وظهر حجم المكر والكيد، فأسقط في يده، فالفضائح والخسائر كانت بحجم تدمير دولته الصغيرة وحكمه الضعيف، فاضطر تحت الضغط أن يرسم تمثيلية التنازل عن الحكم، وعجم أعواد أبنائه، فمن كان منهم قوياً سجنه ومن كان منهم ضعيفاً منحه الإمارة لضمان أن يبقى وحده المتحكم في البلاد.
في بيانٍ مشتركٍ، أصدرت الدول العربية المحيطة بقطر ومصر بياناً لمقاطعة قطر، ثم أصدرت بياناً آخر لتصنيف الإرهابيين التابعين للدوحة بما يقارب الستين شخصية داخل قطر وخارجها، وما يفوق العشر مؤسسات قطرية، والقضية في تصعيد لا تهدئة، وفي تضخم لا انحسار. كيف يفكر الفاشل؟ يفكر أولاً بالإصرار، ثم يتطور إلى المعاندة، ثم يتجه لارتكاب الخطايا، والعرب تقول في الأمثال: «يداك أوكتا وفوك نفخ»، وتقول: وعلى نفسها براقش تجني، بمعنى جناية الإنسان على نفسه وأهله، وإن كان قائداً فعلى وطنه ودولته وشعبه.
القائد الفاشل، هو الذي يصر على ادعاء النصر حين الهزيمة، والقوة حين تجلي الضعف، والقائد الأكثر فشلاً هو الذي يعاند الحقائق والمتغيرات، ويصرّ على لعب السياسة بنفس الأوراق القديمة المفضوحة وبذات الرؤية، التي ثبت فشلها وبعين الحلفاء التائهين. حين تنتهك القوانين الدولية، وتدعم الإرهاب، وتموله، وترعاه، فهذا انسياق وراء الفشل للبحث عن مكانة بين الكبار، وعظم الوهم يغري بالقدرة على التجاوز، ولكن حين تأتي ساعة الصفر وينقلب السحر على الساحر، وتبدأ كرة الثلج بالتضخم ضدك فيحب عليك المراجعة والتراجع، وإعادة النظر ومحاسبة النفس.
القائد الفاشل هو الذي يضع كل رهاناته مع دول خارجية وتنظيمات أجنبية لكل منها مصالحه وأجندته وطموحاته، ويترك شعبه ويقمعه ويحاربه بدلاً من تطويره وإسعاده والبحث عن رفاهيته، فيطرد قبيلة كاملة ويسحب منها جنسية الوطن ويتركها ليتلقفها أخ كبير وجار كريم، وحين تأتي لحظة الحساب يلجأ إلى مراكز الثقل الطائفي والأصولي في إيران وتركيا، وهو يحسب أنه يحمي نفسه من شعبه بالأعاجم الخارجيين.
حين ترعى الإرهاب في المنطقة والعالم ضمن لعبة التناقضات التي اشتهرت بها قطر، فإن قاعدةً عسكريةً أميركية في «العديد»، تصبح خطراً مع دخول الرئيس الأميركي دونالد ترامب على خط الأزمة مع قطر وتهديداته المبطنة لها بوجوب التخلي الكامل عن دعم وتمويل الإرهاب. أخيراً، فالقائد الفاشل في اللحظات العصيبة يخاف من شعبه لأنه يعرف مدى جنايته عليه، فتصيبه الهموم ويلازمه الشك المقيم، فلا يثق بأحدٍ سوى الأجنبي، ويصبح في حالةٍ تشبه ما قاله المتنبي: إذا رأى غير شيءٍ ظنه رجلاً.
الاتحاد
هذا المقال يعبر عن رأي الكاتب ولا يعكس بالضرورة وجهة نظر شبكة إرم نيوز