تحية إلى رام الله
تحية إلى رام اللهتحية إلى رام الله

تحية إلى رام الله

عبده وازن

عشية انطلاق «ملتقى فلسطين الأول للرواية العربية» في رام الله، استبق وزير الثقافة الفلسطينية الشاعر إيهاب بسيسو، حملات مقاطعة «التطبيع»، واصفاً الملتقى في كونه «مواجهة للاستعمار الاستيطاني الذي يحاول عزل فلسطين عن محيطها العربي وعمقها الإنساني». ولم يوفر بسيسو الاحتلال الإسرائيلي فتحدث عن محاولات العرقلة في استصدار تصاريح الدخول؛ ما يعني أن العدو الإسرائيلي يرفض مثل هذه الملتقيات التي تكسر الحصار الذي يضربه حول فلسطين. ويذكر كثيرون كيف هبت سلطة الاحتلال غضباً عندما تمكن وفد من الكتّاب العالميين من كسر حصار رام الله في آذار (مارس) 2002 ملبين دعوة الشاعر محمود درويش وبينهم فائزان بجائزة نوبل هما جوزيه ساراماغو وول سوينكا. ورد الروائي يحيى يخلف وزير الثقافة الأسبق على أي حملة تلقي تهم التطبيع على الروائيين والنقاد والناشرين العرب الذين لبوا الدعوة قائلاً: «هذا كسر للحصار وليس تطبيعاً».

هذا الملتقى الذي يقام في قلب فلسطين هو من أجمل التحيات التي يمكن توجيهها إلى الأسرى الفلسطينيين غداة إضرابهم عن الطعام في السجون تحدياً للسلطة الإسرائيلية الغاشمة. ويحتفي الملتقى برواية «نرجس العزلة» التي كتبها الروائي الأسير باسم خندقجي في السجن وهي تعد من عيون أدب السجون في فلسطين. ويصادف حلول الملتقى أيضاً الذكرى الخمسين لاحتلال القدس وشاءت وزارة الثقافة أن تطلق على دورته الأولى هذه اسم القدس واختارت أيضاً اسم الروائي نبيل خوري الذي كتب بعد أشهر من نكسة 1967 أول رواية عن احتلال القدس عنوانها «حارة النصارى». ولكن يصادف الملتقى أيضاً الذكرى الثلاثين للانتفاضة الأولى وهذه علامة من علامات فلسطين المشرقة.

أما الروائيون والنقاد العرب الذين لبوا دعوة وزارة الثقافة إلى الملتقى فلم يهابوا حملة مقاطعة التطبيع فهم يزورون فلسطين والشعب الفلسطيني ويساهمون في كسر الحصار السياسي والثقافي الذي تسعى إسرائيل من ورائه إلى عزل فلسطين كلها عن العالم العربي.

في مثل هذا الملتقى وسواه تستعيد رام الله صورتها كمدينة عربية مفتوحة، وكمختبر ثقافي مؤدية دورها المفترض في ترسيخ الثقافة الفلسطينية والعربية أيضاً، مثلها مثل كل العواصم والمدن. وعلى رغم الحصار استطاعت مدينة رام الله أن تفرض نفسها بصفتها مركزاً بعيداً عن جغرافية الأطراف وأن تساهم في الحوار الثقافي الذي تتبادله المدن العربية. وباتت رام الله الآن تمثل مدينة الثقافة الفلسطينية التي تجمع بين ثقافة الشتات وثقافة الوطن في وجهيه الداخليين.

يجمع الملتقى خمسين روائياً وناقداً وناشراً من كافة الدول العربية، وهم ينتمون إلى أجيال مختلفة وإلى تجارب وهموم متعددة، مما يجعل الملتقى يقدم صورة شاملة عن الإبداع الروائي العربي الراهن. الرواية العربية حاضرة هنا، بقضاياها وأسئلتها وفضاءاتها والتحديات التي تواجهها. وتكفي قراءة عناوين الندوات حتى تتبدى أهمية هذا الملتقى: سؤال الهوية، تحولات المكان في الرواية، الرؤية النقدية في الرواية الحديثة، الرواية العربية في ظل الثورات، التجربة الذاتية وتجلياتها في الرواية العربية... ولم تفت الملتقى قضية الجوائز والأثر الذي تركته على الإبداع الروائي الراهن. أما الروائيون المشاركون فهم من خيرة الأسماء وقد غاب الروائيون اللبنانيون تمام الغياب وحضرت من سورية روائية واحدة هي مهى حسن لأنها تحمل الجنسية الفرنسية. والغياب اللبناني– السوري يبدو فادحاً والسبب الرئيس هو أن لبنان يمنع بموجب قانون خاص كل أنواع التطبيع مع دولة الاحتلال ويحرّم زيارتها وحتى زيارة فلسطين وأراضي السلطة الفلسطينية. أما سورية أو ما تبقى من النظام السوري فهو لا يزال يدعي الانتماء إلى جبهة الصمود والتصدي ويجرّم أي زيارة لفلسطين قبل أن يحررها كاملة.

كنت أتمنى أن أكون ضمن وفد الكتاب العرب الذين يزورون رام الله. زيارة فلسطين وأراضي السلطة الفلسطينية حلم جميل. لكنه لا يزال صعباً في ظل هيمنة جبهة الصمود والتصدي التي تريد تحرير فلسطين كلها ورمي إسرائيل في البحر. لكنها أخطأت في وجهتها، فهي الآن تحرر سورية من شعبها وترميه في البحر والمجهول.

تحية إلى ملتقى فلسطين الأول للرواية العربية، تحية إلى الروائيين العرب الذين لم يبالوا بـ «جعجعة» التخوين وكيل التهم الفارغة وزاروا رام الله، تحية إلى رام الله، مدينتنا الفلسطينية والعربية.

الحياة

هذا المقال يعبر عن رأي الكاتب ولا يعكس بالضرورة وجهة نظر شبكة إرم نيوز

الأكثر قراءة

No stories found.


logo
إرم نيوز
www.eremnews.com