ترامب عند تقاطعات الأزمتَين السورية والكورية
ترامب عند تقاطعات الأزمتَين السورية والكوريةترامب عند تقاطعات الأزمتَين السورية والكورية

ترامب عند تقاطعات الأزمتَين السورية والكورية

عبد الوهاب بدرخان

بعد الضربة الأميركية في سوريا، ندّد النظام بـ«العدوان»، وحذرت روسيا من «عواقب وخيمة»، وقالت إيران إنها «خطأ استراتيجي»، ووصفتها كوريا الشمالية بأنها «جريمة لا تغتفر». والحال أن ما كان مجرّد ضربة صار رسالة ردع موجّهة إلى كل الدول التي «تخالف القوانين الدولية»، وفقاً لوزير الخارجية الأميركي، الذي كان يعني إيران، ولكنه أشار تحديداً إلى كوريا الشمالية التي تفاعلت الأزمة معها بسبب تجاربها الصاروخية الباليستية والقنابل النووية. وكما شن طيران نظام دمشق غارة بغاز السارين، بعد يومين فقط على صدور مواقف أميركية غير مسبوقة تعترف ببقائه في السلطة ولو كـ«أمر واقع»، فإن نظام بيونغ يانغ اختار لتجربة أحدث صواريخه موقعاً قريباً من اليابان ومن توأمه كوريا الجنوبية، وتوقيتاً انتزع الأضواء عشية لقاء بالغ الحساسية بين الرئيس الصيني شي جين بينغ ونظيره الأميركي دونالد ترامب الذي كان خصّص جانباً من حملته الانتخابية للتهجّم على الصين وانتقاد أدائها المالي والاقتصادي.

يجمع بين الأطراف التي استنكرت الضربة الأميركية في سوريا أنها تحت عقوبات دولية أو أميركية- أوروبية، وإذا كان كيم جونغ أون ينفرد بأنه لا يشكو من الإرهاب ولا يدّعي محاربته، فإنه يلتقي مع الآخرين في تشكيله حالاً راسخة من إرهاب الدولة ضد مواطنيها. ثم إنه يكاد يحوّل الذكرى المئوية لميلاد جدّه المؤسّس كيم إيل سونغ مناسبة لإطلاق شرارة أول حرب نووية لم يجرؤ عليها الاتحاد السوفييتي أيام الحرب الباردة. ولعل عزلة كيم الدولية حدّت كثيراً من رسائل التهنئة التي تلقّاها للمناسبة، فوحدها الدول غير الطبيعية تتراسل مع دولة غير طبيعية ككوريا الشمالية، ولذلك لم يكن مستغرباً أن تحظى رسالة التهنئة من بشار الأسد باهتمام خاص، إذ اقتبست وكالة «تاس» الروسية منها أن «البلدَين الصديقَين يحتفلان بهذه المناسبة (المئوية) في وقت تخوضان حرباً على طموحات القوى الكبرى إخضاع كل الدول لسياسات التوسّع والهيمنة التي تنتهجها لحرمانها من حقّها في تقرير المصير». أما «المصير» الذي آلت إليه سوريا ولم «تقرّره» فهو الموت والدمار، وأما «مصير» كوريا الشمالية فعنوانه حتى الآن تجويع الشعب لتكديس القنابل والصواريخ.

قد يكون إلحاح المسألة الكورية أرجأ مواجهة كانت محتملة ومتوقعة بين الصين وترامب، أو أن الأخير وجد سلوكاً صينياً يمكنه التعامل معه، خلافاً لسلوك روسيا الذي بلغ حد استغلال الهجوم الكيماوي لاختباره شخصياً مع إدارته وما يمكن أن يكون ردّهما على قتل مدنيين بينهم أطفال بسلاح محظور دولياً. ويبدو الصاروخ الكوري موجّهاً أيضاً ضد ترامب وإدارته، طالما أنه قد أطلق تهديداً سافراً لكوريا الجنوبية واليابان، حليفتي أميركا، وليس هذا فحسب، بل إن الدول المعنيّة بالمزاج النووي المتهوّر لبيونغ يانغ باتت متأكدة بأنها في صدد تطوير منظومة صواريخ عابرة للقارات يمكن أن تبلغ غربي الولايات المتحدة. ويزيد شينزو آبي، رئيس الوزراء الياباني، أنها يمكن أن تُحمّل رؤوساً مزوّدة بغاز السارين. ولكن ترامب يريد أن تتولّى الصين حل المشكلة الكورية، باعتبارها الأقرب إليها، وإذا لم تفلح فإن أميركا ستتصرّف من دونها. هي فرصة لبكين كي تثبت سلطتها وهيبتها في بيونغ يانغ، لقاء اتفاق تجارة جيّد مع واشنطن، كما هي فرصة روسيا في دمشق لقاء تقارب وُعدت به ولم تُحسن التمهيد له.

الأرجح أن تنجح الصين في نزع فتيل التأزيم في شرقي آسيا، أولاً لأنه على حدودها ولا مصلحة لها في تصعيد قد ينزلق إلى مواجهة نووية، وثانياً لأن أي حاكم في بيونغ يانغ لا يجازف بإغضابها، وثالثاً لأن بكين تسعى إلى بداية ناجحة مع ترامب. لكنها تدرك استحالة تسوية دائمة يمكن أن ترضي كيم وتروّضه، فهو يريد رفع العقوبات عن بلده والاعتراف به دولةً نوويةً والاحتفاظ بصواريخه وقنابله، وإملاء شروطه الأمنية على كوريا الجنوبية للحدّ من الحماية الأميركية التي تحظى بها، وكذلك شروطه المالية والاقتصادية للاستفادة من مواردها. وقد أخفقت السوابق الدبلوماسية كلما اقتربت الاستحقاقات إلى تقليص الترسانة النووية أو تفكيك المنشآت. وفي المقابل، لدى روسيا المصلحة والقدرة في سوريا ولا تستخدمهما لإنهاء الصراع المسلّح، على رغم علمها بأن هذا بات مطلباً دولياً. ولذلك قادتها مناوراتها العقيمة إلى العبث بالدم السوري، وإلى الزاوية التي يوجد فيها الأسد وإيران، جنباً إلى جنب مع كيم. وفيما تخوض صراعاً مدروساً في أوكرانيا، كونها على حدودها المباشرة، فإنها تذهب في سوريا إلى أقصى العبث.

الاتحاد

هذا المقال يعبر عن رأي الكاتب ولا يعكس بالضرورة وجهة نظر شبكة إرم نيوز

الأكثر قراءة

No stories found.


logo
إرم نيوز
www.eremnews.com