اشتعال المنافسة فى موسكو .. من يحب بوتين أكثر ؟
اشتعال المنافسة فى موسكو .. من يحب بوتين أكثر ؟اشتعال المنافسة فى موسكو .. من يحب بوتين أكثر ؟

اشتعال المنافسة فى موسكو .. من يحب بوتين أكثر ؟

سامي عمارة

مع اقتراب موعد الانتخابات الرئاسية في مارس من العام المقبل، تتباين الدعوات التي تنطلق جميعها من «حب بوتين». ففيما نجد زعيم شبه جزيرة القرم يدعو الى «عودة الملكية»، وانتخاب «بوتين مدى الحياة»، يتسابق انصار الرئيس الروسي في البحث عن تشكيلات وتنظيمات جماهيرية إضافية مغايرة يثبتون من خلالها دعمهم لاعادة انتخابه لانهم «يحبونه اكثر».

وتجىء كل هذه الدعوات والتحركات في وقت مواكب لبدء الاوساط الحزبية مشاوراتها لاختيار ممثليها لخوض الانتخابات الرئاسية المرتقبة في مارس المقبل، بما فيها حزب «روسيا الموحدة» الموالي لبوتين، الى جانب استعدادات الجبهة الشعبية التي كان بوتين وراء تاسيسها في عام 2011 كاحتياطى استراتيجي اوسع نطاقا، واكثر انتشارا من الحزب الحاكم .

ونذكر ان بوتين كان قد خاض اول انتخابات رئاسية في عام 2000 اعتمادا على رصيد سلفه بوريس يلتسين، وما ارتبط به من علاقات مع الاوساط الليبرالية، وتأييد ممثلي الاوليجاركيا ومجموعات رأس المال ممن كانوا يتوسمون فيه تلبية رغباتهم، والانسياق وراء توجهاتهم التي طالما حددت الملامح الرئيسية للمجتمع الروسي منذ ان دانت لهم السلطة الفعلية ابان سنوات ولايتي بوريس يلتسين في تسعينيات القرن الماضي. وكان بوتين رفض صراحة عروض الاوليجاركيا بشأن دعم وتمويل حملته الانتخابية الرئاسية، تحسبا لما قد يطلبونه منه مقابل مثل هذه العروض السخية، مفضلا الاعتماد على ما ينسجه من اتصالات مع الحركات السياسية والاحزاب ذات التوجهات القومية ومنها «الوحدة»، و«الوطن» و«روسيا وطننا»، وهي الاحزاب التي توحدت فيما بعد تحت اسم «روسيا الموحدة»، وهو الحزب الذي تزعمه بوتين خلال ولايتيه الاولى والثانية، وتنازل عن زعامته الى خلفه دميتري ميدفيديف في عام 2011.

تلك هي المقدمة التاريخية لتفسير ما اقدم عليه بوتين لاحقا من «توجيهات» تقول بضرورة الاستمرار في التغيير، وعدم الاعتماد على كيانات حزبية مجردة، والبحث دوما عن اوعية جديدة تضم المزيد من القوى التي يتوسم فيها الدعم والتأييد، بعيدا عن الاهتمامات الحزبية الضيقة. ونذكر ان الرئيس الروسي وكان لا يزال في منصب رئيس الحكومة الروسية والذي شغله طوعا في عام 2008، بسبب عدم جواز استمراره في منصب الرئيس لاكثر من ولايتين وكانت الاولى في 2000-2004، والثانية 2004-2008 ، اعلن في مايو 2011 عن تشكيل ما يسمى بـ«الجبهة الشعبية لعموم روسيا». وقد اتسعت هذه «الجبهة الشعبية» لتحتوى شتى «الاطياف»، التي ضمت بين صفوفها ممثلي حزب «روسيا الموحدة»، ومختلف الاتحادات النقابية والمنظمات الشبابية والحركات الاجتماعية والمنظمات غير الحكومية. ورغم ان هذه الجبهة كانت ولا تزال اضافة الى أرصدة الرئيس الروسي في الساحة الداخلية من منظمات وتشكيلات شبابية وطلابية، تتسابق فيما بينها «حباً في بوتين»، فقد ظهر مؤخرا من يحاول اثبات انهم «يحبونه اكثر» من اعضاء «الجبهة الشعبية» التي كان بادر بتاسيسها في عام 2011. وكانت صحيفة «موسكوفسكي كومسوموليتس» وجدت هؤلاء فيمن ينضوون تحت لواء جديد اتخذ لنفسه اسم «الهيئة الاجتماعية لتنفيذ برامج الرئيس»، يقول اعضاؤه «انهم يعتزمون الدفاع عن اسم الرئيس ضد الموظفين، وجحافل البيروقراطيين الذين يحولون دون تنفيذه لما يريده من خطط يستهدف بها بناء «الجنة والنعيم» على حد تعبير بعضهم. وتضم هذه المنظمة في هيئتها التاسيسية عددا من ابرز رجال القانون والسياسة ومنهم سيرجى ماركوف مدير معهد الدراسات الاسترتيجية المعروف بمواقفه الموالية للرئيس منذ جاء الى السلطة في عام 2000. وعن المنظمة الجديدة التي اُنشئت في «حب بوتين» وما يميزها عن «الجبهة الشعبية لعموم روسيا»، قال ماركوف ان الجبهة الشعبية تشكلت بقرار من الرئيس اي انها جاءت بايعاز من علٍ، اما المنظمة الجديدة التي يسمونها «الجبهة الشعبية -2»، فتتشكل بمبادرة جماهيرية من محبى الرئيس وانصاره، او كما قال ماركوف من اولئك الذين لا يطيقون الانتظار، ويبادرون اليوم بالقول انهم يريدون بوتين رئيسا للبلاد بعد عام 2018، او بقول آخر لولاية رابعة تمتد حتى عام 2024. ومضى ماركوف ليقول «واولئك هم رجال اعمال الصناعات الصغيرة والمتوسطة ممن يعانون من عدم وصول تعليمات وسياسات وقرارات الرئيس حتى الطبقات الدنيا في الاقاليم والمقاطعات النائية». اما عن مصادر تمويل المنظمة الجديدة التي تتشكل «حباً في بوتين» ، فيقول المراقبون انها وفي اغلب الظن ستكون شأن «الجبهة الشعبية -1» من «جهات حكومية». ويبرر هؤلاء هذه التوقعات بان المنظمة الوليدة لا بد وان تكون رصيدا احتياطيا استراتيجيا للرئيس، يمكن الاستفادة منه والاستناد اليه في حال الضرورة،ومنها ما قد يرتبط بالعمل بين الجماهير وصفوف المعارضة في الاقاليم والمواقع البعيدة عن دائرة نفوذ «اجهزة القوة»، وإن يبدو من الصعب تصور وجود هذه المناطق التي يمكن ان تكون بمنأى عن سيطرة النظام الحاكم اليوم.

وقد جاءت كل هذه التحركات في وقت مواكب لدعوة سيرجى أكسيونوف رئيس جمهورية شبه جزيرة القرم الذي سبق وتزعم حركة الانفصال عن اوكرانيا، ودعا الى الاستفتاء الشعبي على الانضمام الى روسيا في مارس 2014 لانتخاب بوتين «مدى الحياة»، بل ومضى الى ما هو ابعد حين قال بحيوية فكرة «اعادة الملكية»، او بقول آخر النظام القيصرى بما قد يسمح بتنصيب بوتين قيصرا فعليا لروسيا التي تستعيد يوما بعد يوم، مواقعها التي تستحق على خريطة السياسة العالمية . ورغم «عبثية» مثل هذا الطرح الذي أثار العديد من التعليقات ومنها الساخرة، فان هناك من حاول التعامل مع دعوة اكسيونوف على محمل الجد، مشيرا الى عدم مشروعيتها بوصفها مناقضة لاسس الدستور. غير أن هناك ما يشير الى ان اكسيونوف تعرض لضغوط وانتقادات جعلته يعود عن «غَيٍه»، حيث سرعان ما قال انه لم يقصد ما جرى الترويج له بشأن «عودة الملكية»، بل كل ما هنالك انه يرى ضرورة ان يقف على رأس السلطة في البلاد زعيم قوي يمكن ان يحميها من نوائب الدهر، على غرار ما سبق وتعرضت له الإمبراطورية الروسية قبل ثورة 1917، وما اسفرت عنه «بيريسترويكا» ميخائيل جورباتشوف التي اسفرت عمليا عن انهيار الاتحاد السوفييتي في عام 1991. ومضى اكسيونوف في محاولة لدحض ما سبق ونادى به، ليؤكد انه لم يكن يقصد تغيير الدستور والعودة الى نظام الملكية، بل مجرد منح الرئيس بوتين المزيد من الصلاحيات التي يمكن ان تساعده في احكام قبضته على السلطة، وهو ما كان يمكن ان يحول دون انهيار الاتحاد السوفييتي لو كان بوتين رئيسا للبلاد آنذاك. ومع ذلك يبقى القول الفصل ورد الفعل الرسمي من جانب الكرملين الذي سرعان ما كشف عنه دميتري بيسكوف الناطق الرسمي باسم الكرملين والسكرتير الصحفي للرئيس بقوله «ان الرئيس فلاديمير بوتين لا يتفاءل كثيرا امام الدعوات التي تنادى بتوسيع صلاحيات الرئيس بما تبلغ معه حد الدكتاتورية». ومضى ليقول «ان الرئيس اضطر خلال الخمس سنوات الماضية الى تكرار اجاباته على مثل هذه التساؤلات، بما يعنى عدم تحمسه لاي نوع من مثل هذه المناقشات». ونقلت صحيفة «موسكوفسكي كومسوموليتس» عن بيسكوف ما قاله حول ان «اكسيونوف (زعيم جمهورية القرم) حرُ فيما يقوله»، وهو ما انتقدته الصحيفة الروسية وما اثار لغطا بين اوساط المراقبين ، نظرا للمنصب الرسمي الذي يشغله اكسيونوف كرئيس لاحدى جمهوريات الاتحاد الروسي، بما يضفي على تصريحاته طابعا شبه رسمي، وما يؤكد المامه بكل بنود الدستور الروسي الذى يقف على طرفي نقيض مع مثل هذه «الشطحات»، التي لم تبدد آثارها السلبية تصريحات الناطق الرسمي باسم الكرملين.

وفي هذا الصدد نتوقف عند الكثير من الحالات التي يبدو أنها اثارت شكوك الكثيرين تجاه مثل هذه الدعوات، على خلفية ما سبق واجراه بوتين من تغييرات في النسق الاعلي للسلطة في عام 2008 ، والتي عرفها العالم تحت اسم «التوريث على طريقة بوتين»، يوم اختار «تلميذه» دميتري ميدفيديف لخوض الانتخابات الرئاسية، بما يضمن عودته الى ذات المنصب عام 2012، مع تغيير الدستور لمد فترة الرئاسة من اربع حتى ست سنوات، والدورة البرلمانية من اربع حتى خمس سنوات، وبما يعنى عمليا استمرار بوتين على رأس الدولة 24 عاما، وهو ما اشرنا اليه في اكثر من رسالة من موسكو. ومن اللافت ان كل ذلك يأتي في توقيت مواكب لاستمرار عدد من زملائه من رؤساء جمهوريات الاتحاد السوفييتي السابق على راس هذه الجمهوريات لفترات يمتد بعضها حتى 28 عاما كما هو في حال نورسلطان نزاربايف في قزخستان، في ظل تغيير للدستور بما يضمن بقاءه في سدة الرئاسة مدى الحياة ، وهو موقف يقترب مما هو عليه الحال في تاجيكستان وبيلاروس وتركمنستان، وإن اختلفت روسيا بما تتسم به من «خصوصيات» تبتعد بها عن مثيلاتها في الفضاء السوفييتي السابق.

الأهرام

هذا المقال يعبر عن رأي الكاتب ولا يعكس بالضرورة وجهة نظر شبكة إرم نيوز

الأكثر قراءة

No stories found.


logo
إرم نيوز
www.eremnews.com