أمة «اقرأ» في ذيل الأمم القارئة
أمة «اقرأ» في ذيل الأمم القارئةأمة «اقرأ» في ذيل الأمم القارئة

أمة «اقرأ» في ذيل الأمم القارئة

موسى برهومة

خاض القائمون على تقرير المعرفة العربي تحدياً كبيراً وشاقاً لتغيير الصورة النمطية التي سرت كالنار في الهشيم والتي تفيد بأنّ متوسط القراءة عربياً لا يتجاوز ربع صفحة للفرد سنوياً، أي بمعدل 6 دقائق سنوياً، وفق ما كان أعلنه تقرير التنمية البشرية عام 2011، الصادر عن «مؤسسة الفكر العربي».

وبعد الكشف عن الحقيقة، ثبت أنّ متوسط عدد ساعات القراءة للإنسان العربي يبلغ سنوياً 35 ساعة تقريباً، تقسّم كالتالي: 15 ساعة للمجالات ذات الصلة بالدراسة أو العمل، و20 ساعة خارج الدراسة أو العمل. أما المتوسط العربي لعدد الكتب المقروءة سنوياً فيصل إلى 16 كتاباً منها 7 كتب تقريباً ذات صلة بالدراسة، أو العمل، وتسعة كتب في مجالات خارج الدراسة أو العمل.

ولو شاء المرء أن يغلّب التفاؤل على النزعة العدمية، فإنه سيرضى بهذه الأرقام الجديدة، لكنه لن يسلّم بها تسليماً مطلقاً، فثمة نازع للسؤال: ماذا يقرأ العربي، وما هي طبيعة الكتب التسعة التي يقرأها؟

ولو أنّ المرء دقّق قليلاً في طبيعة الكتب المقروءة، فسيجد أنها تشتمل على كتب الطبخ والأبراج والألعاب، والكتب المساعدة في صيانة الموبايل، وتنظيم الحديقة المنزلية، وسواها. كما ستشتمل على الكتب الدينية ذات الصلة بعذاب القبر، وغيرها من الكتب المتصلة بفقه المحرّمات.

ولو أنّ المرء أراد أن يعتدل في آرائه فيوافق على أنّ العربي يقرأ تسعة كتب سنوياً في أرقى حقول الثقافة والعلم والسياسة والفلسفة والأدب، فإنّ سؤال المخرجات سيكون له في المرصاد.

وبما أنّ المعرفة، في الأساس، فعل تغيير، وتحسين لشروط العيش، وارتقاء في فهم أحوال الكائن وأحزانه وتطلعاته، ودفع للحياة كي تكون منصّة للخير والعدل، فإنّ ما يحيط بالعالم العربي من كوارث، لا ينجو منها سوى بلدين أو ثلاثة، تدعو إلى التشكيك في مدخلات تلك المعرفة، وفي قدرتها على البناء.

فإما أننا لا نقرأ، وهذا وارد إلى حد بعيد، أو أننا لا نعرف ما نقرأ، وبالتالي نفشل في الاختيار، ونجني سوءَ ذلك الفشل حروباً وكراهية وانقسامات وتفخيخاً للعالم كما يفعل دعاة الإرهاب ممن يختبئون وراء راية التنظيمات الجهادية التي تنشد إقامة شرع الله بحدّ السيف.

ولا ضرورة للتذكير بحُصص الأفراد في أمم العالم من الكتب، ومقارنتها بحصصنا، فأي بحث بسيط على «الإنترنت» سيفضي إلى الإعياء من النتائج المخيّبة للأمل. ومع ذلك ينهض من يذكّرك، كما لو أنك نسيت، بأنك من «أمة اقرأ»، لكنه لا يبصر ماذا أصاب هذه الأمة، التي لم تعد مشغولة لا بالقراءة ولا بالبحث ولا بالاكتشافات ولا بخلق المواهب والمبدعين، بل بالقتل في مستوييه: قتل الذات وقتل الآخر، في عملية انتحار يائسة يود المرء لو يجد لها في آخر النفق، ولو ضوء شمعة.

ولعل من السأم أن نظل نذكّر بأهمية المعرفة في النهضة والتغيير. فلا أحد يُصغي إلى هذه البداهات التي تستدعي إعمال العقل، والإصغاء العميق لتحولات الكينونة، والانخراط في الورشة العالمية المفتوحة من أجل تحسين شروط العيش والقضاء على الأمراض والفقر والأمية. وكلها في متناول التحقيق إن صدقت الإرادة، وأخلصت النوايا.

ولأنّ الكاتب المحمول على بقية من تفاؤل، لا يرضى بأن يسبقه سيف العدم، فإنه سيذهب إلى مواجهة الأقدار، كما فعل «سيزيف» الذي أدرك عبث ما يقوم به، لكنه ظل على عناده، مواصلاً بإباء وشمم رفع صخرته إلى أعلى التل، وهو يعلم أنها ستتدحرج، بعدئذ، إلى أسفل الوادي!

الحياة

هذا المقال يعبر عن رأي الكاتب ولا يعكس بالضرورة وجهة نظر شبكة إرم نيوز

الأكثر قراءة

No stories found.


logo
إرم نيوز
www.eremnews.com