الرهان الخاسر.. إدارة عدن بعقلية صنعاء
الرهان الخاسر.. إدارة عدن بعقلية صنعاءالرهان الخاسر.. إدارة عدن بعقلية صنعاء

الرهان الخاسر.. إدارة عدن بعقلية صنعاء

قاسم عبدالرب العفيف

سيطر الانقلابيون على عاصمة اليمن بقوة السلاح وكان ذلك انقلاب على الشرعية مما حدا بالرئيس الشرعي الانتقال إلى عدن لتتخذ كعاصمة مؤقتة، ولكن طارده الانقلابيون إليها بهدف إعادته مخفورا إلى صنعاء، وبالتالي استكمال بقية الإجراءات لعزله وتحقيق السيطرة على السلطة بحكم الأمر الواقع.

وإذا تم ذلك فلن تكون هناك أية مقاومة أو حتى معارضة شكلية لأن جميع الأحزاب وبالذات المؤتمر، الإصلاح والاشتراكي والناصري وغيرهم على استعداد للتأقلم مع الوضع الجديد، ولم يكن الأمر خافيا على أحد، فعندما كان رئيس الجمهورية ورئيس الوزراء تحت الإقامة الجبرية في منازلهم كان حزب الإصلاح قد أوفد قيادته إلى صعدة لتقديم الولاء والطاعة للسيد عبدالملك الحوثي.

وفِي نفس الوقت باشرت الأحزاب جميعها تحت قيادة المبعوث الدولي جمال بن عمر مواصلة اللقاءات في موفنبيك للخروج بصفقة لعزل الرئيس الشرعي وترتيب وضع انتقالي وكانت وثيقة السلم والشراكة إحدى تجليات ذلك الوضع في تلك المرحلة.

خروج الرئيس عبدربه منصور هادي إلى عدن والإفلات من تحت قبضتهم أربك تلك الخطة المرسومة، والتي كانت مدعومة إقليميا ودوليا، وبعد ذلك الجميع يعرف إلى أين تطورت الأحداث التي على ضوء ما استجد من تطور، كانت هناك تبدلات سريعة للمواقف، وبدأ تغيير المواقع من تقديم الولاء إلى السير في ركاب الشرعية، وكان حزب الإصلاح بارعا في تبديل مساره وفقا للظروف المستجدة، وكان أيضا لبعض النخب السياسية نصيب من تحويل المقاعد من حضن عفاش إلى حضن الشرعية.

تحررت عدن بفضل أبنائها المقاومين ودعم كبير من قبل التحالف العربي وكذا بقية المحافظات كلحج  والضالع الجنوبية وأبين، وبعدها شبوة وحضرموت، وكان ذلك بالتأكيد انتصار للشرعية والتحالف العربي، وتشكلت في تلك المحافظات مقاومة استطاعت أن تلقن الانقلابيين ومن وراءهم درسا لن ينسوه في حياتهم.

وعلى الرغم من إعلان عدن عاصمة مؤقتة وانتقال حكومة الشرعية إليها، إلا أنها ظلت تعيش أوضاعا مزرية منذ تحريرها قبل سنتين وتعرضت لمعاناة شديدة، كانت أولى معاناتها أن واجهت هجمة شرسة ممن يسمون أنفسهم بالقاعدة وأخواتها، انتشرت خلاياه لقتل المقاومين والعسكريين الجنوبيين وقامت بتلك المهام لخلق جو من الرعب بين أوساط المواطنين وكان اغتيال الشهيد جعفر محمد سعد محافظ عدن الأسبق أبرز تلك التجليات، ومما يدعو للاستغراب والتعجب أن عمليات القاعدة اقتصرت على مدن الجنوب والجنوبيين، ولم نسمع أنها اغتالت قياديا شماليا في أية محافظة شمالية.

ومن المعاناة التي واجهتها عدن أن تم تعطيل الخدمات الأساسية من كهرباء وماء وبقية الخدمات الأخرى، ومن المفارقات العجيبة أن تصدر الحكومة في الآونة الأخيرة قرارا بتوفير الطاقة عبر شرائها من المستثمرين، طبعا هي عملت على المماطلة وعدم إيجاد حلول أمنية وثابتة ورخيصة منذ سنتين، حتى تجد مبررا لمعاودة شراء الطاقة، ومعروف للجميع ممن تقوم بشرائها وكان باستطاعتها شراء محطات ثابتة تابعة للدولة بسعر أرخص، لكن هذه هي عقلية نظام صنعاء المشبع بالفساد.

حجب مرتبات عشرات الآلاف من موظفي الدولة في الجنوب من عسكريين ومدنيين ومتقاعدين لمدد تصل إلى ستة أشهر، وإن تم صرف بعض المرتبات تشكل لها لجان لكي يتم إذلال الجنوبيين وتعريضهم كضحايا للقاعدة تحصد منهم العشرات أثناء تجمعهم لاستلام مرتباتهم، وحدث ذلك في مناسبتين بعدن، وبدل أن يعودوا إلى منازلهم فرحين برواتبهم يتم ترحيلهم إلى المقابر وبعضهم من طول الانتظار في مراكز البريد يموتون في ردهات تلك المراكز.

المماطلة والتسويف في ضم المقاومين الجنوبيين في صفوف الجيش والأمن، وتركهم في أوضاع غير مستقرة، وكانت قد صدرت قرارات بهذا الخصوص ولم تفصح الحكومة عن الأهداف الخفية من وراء ذلك، ويمكن في نهاية المطاف رميهم في الشارع كما تم رمي الجيش الجنوبي إلى الشارع بعد حرب 1994.

نفس التسويف يحدث مع نقل تلفزيون وإذاعة عدن؛ حيث وضعت العراقيل لكي لا يتحقق الأمر،رغم وجود مقرات الإذاعة والتلفزيون وجهوزية الكوادر العاملة بها في عدن، إلا أن ذلك لم يتم لأسباب غير مبررة لكنها مفهومة لدى حكومة الشرعية التي ترى أن ذلك سيجلب انفصال الجنوب.

قامت الحكومة وخلافا لكل قوانين المناقصات بتكليف تاجر بعينه لتزويد عدن والمحافظات المجاورة بالمشتقات النفطية وبالأسعار التي يريدها مما سبب أزمات حادة مفتعلة، أدت الى تعطيل عمل الكهرباء وبالذات في أشهر الصيف الحارة، وكذا حجب المشتقات النفطية عن السوق أدى الى تعطيل كامل للحياة.

عدن ومدن الجنوب وبنيتها التحتية وبسبب الغزو الحو- فاشي تعرضت للتدمير، وهناك الكثير من مصالح الناس تعطلت من منازل ومصانع ومؤسسات أخرى وهي مصدر رزقهم ومأوى لهم ومع ذلك لم تحرك الحكومة ساكنا في البدء بالإعمار والتعويضات الضرورية وكأن الأمر لا يعنيها.

عدن تمتلك مقومات دولة وفيها بنية تحتية كاملة، لكن الأمر يتعلق بعقلية الحكومة التي لا زالت تتصرف تجاه عدن والجنوب بنفس عقلية صنعاء.

تعالوا نرَ في الجانب الآخر من نشاط الشرعية:

تحرير نصف محافظة مأرب يعتبر الإنجاز الأهم للشرعية، وفيها يتم تكديس كل الدعم من بناء جيش عرمرم قوامه أكثر من مئة ألف مقاتل، لم يستطع تجاوز عدد من التباب في منطقة نهم ولم يستكمل تحرير محافظة مأرب كاملة، وفيها يتم توريد ما تحتاجه من محطات كهربائية لضمان استقرارها، ويتم دعمها بالديزل والمازوت وفيها يتم توريد كل أنواع المشتقات النفطية، وبأسعار معقولة.

و يتم تزويد هذه المحافظة بكل أسباب الحياة من غذاء وصحة وتعليم وخدمات أخرى والجميع يستلم مرتباته أولا بأول وبدون خصم أو تأخير ودون لجان فساد وإفساد وكذا الاستحواذ على إيرادات الغاز والنفط في فرع البنك المركزي لديهم ولم يتم توريد تلك الإيرادات إلى عدن وخاصة بعد نقل البنك المركزي إليها وأخيرا يتم تحويلها إلى مركز إعلامي للشرعية بينما لا توجد لديها أية مقومات أو بنية تحتية لتشكيل أية مؤسسات إعلامية ولم يتبق إلا أن يتم إنشاء مطار دولي.

ومع الأسف يتم كل ذلك تحت منحى حزبي لأحد الأحزاب المنضوية بالشرعية وأصبحت مأرب عاصمة للشرعية يتردد عليها نائب الرئيس وبعض الوزراء التابعين له .

وهنا لابد من طرح سؤال مهم وفِي غاية الخطورة ماذا يعني حرمان عدن والجنوب من كل تلك الخدمات الضرورية والتي دونها تصبح عدن ومدن الجنوب الأخرى قرى مثلها مثل قرى مأرب، أو صعدة أو غيرها من الريف اليمني، وهل متطلبات المعركة تستدعي إبقاء عقلية عفاش تتحكم بمصائر الناس في عدن بإذلالهم وتركيعهم.

وهناك الآلاف من المقاومين في الجبهات وبالذات الساحل الغربي يحققون نجاحات كبيرة، إلا أنهم يعانون عدم استلام مرتباتهم بانتظام ولم يتم ترقيمهم كجنود أساسيين في المؤسسات العسكرية والأمنية، وتوظيفهم يعني المحافظة على حقوقهم وحقوق أسرهم، ويعني أيضا الرفع من روحهم المعنوية واستبسالهم في القتال.

إنها الحقيقة المرة التي كنا نحاول أن نتجنب الإفصاح عنها وهي أن هذا حال الشرعية بممثليها من وزراء الحكومة، لقد انكشف المستور، خلال السنتين الماضيتين هذا ما كانوا يمارسونه من عرقلة لإعادة تطبيع الحياة في المحافظات الجنوبية المحررة، وهذا العمل لا يختلف عن ما كان يمارسه نظام المخلوع صالح تجاه الجنوب.

وهذه الممارسات التي تعطل تطبيع الحياة في المحافظات الجنوبية أصبحت مكشوفة وظاهرة للعيان من خلال المعاناة اليومية، سواء بالخدمات أو بحقوق الغالبية العظمى من الجنوبيين من عدم استيعابهم في مؤسساتهم، وبالذات العسكريين الذين تم إزاحتهم بعد حرب 94،  وهناك الكثير من القرارات بهذا الصدد لم يتم تطبيقها، وحان الوقت لكي يتم الإقلاع عن تلك الممارسات السيئة ومساعدة السلطات المحلية في المحافظات المحررة في تنفيذ مهماتها ودعمها ماليا.

أما في جانب الانقلابيين فقد تمكنوا من اتخاذ صنعاء مركز السيطرة والقيادة ومن خلال سيطرتهم على مفاصل الدولة العسكرية والمدنية، واستولوا على مقدرات الدولة ومن ضمن ذلك البنك المركزي وغيروا كل معالم الحياة في العاصمة لصالح الوضع الجديد، ولا يشكو من أي نقص في خدمات الكهرباء أو المشتقات النفطية أو صرف الرواتب، استمروا بإدارة الحياه بشكل طبيعي واستمرارهم بصرف مرتبات مناصريهم فقط، واستثناء منهم على حساب المؤسسات المركزية التي لا يرتبطون بها، وفِي نفس الوقت يوفرون وكل ضروريات ومتطلبات المعركة لديهم.

حكومة الشرعية تعرف أن آلاف الموظفين الجنوبيين الذين انتقلوا إلى صنعاء وانتقلت معهم مرتباتهم وبقيت تصرف عبر المؤسسات المركزية، سواء أكانوا عسكريين أم مدنيين، وموزعين بين وزارات الدفاع والداخلية والأمن والأمانة العامة للرئاسة ورئاسة الوزراء وبقية المرافق المركزية، أوقف الانقلابيون صرف مرتباتهم لمدة تصل إلى سبعة أشهر.

السؤال الآن لماذا لم تتخذ الحكومة قرارات لصرف مرتباتهم من عدن من البنك المركزي، وهم يعانون من تأخيرها لمدة أكثر من ستة أشهر، أين المسؤولية الأخلاقية! هؤلاء جميعا لا يملكون غير مرتباتهم، لكن الحكومة وحاشيتها لن تهتم بأحد طالما هي تستلم مرتباتها بانتظام ومع كل الصرفيات الأخرى ولا يهمها من استلم ومن لم يستلم عندها الأمر سيان.

أصبحت الصورة واضحة وجلية بأن إطالة الحرب تتوافق مع مصالح بعض المنضوين تحت الشرعية بنفس القدر مع الانقلابيين، وكلاهما لا يعير أدنى اهتمام لملايين اليمنيين الذين تعطلت مصالحهم أو تشردوا أو حتى حرموا من أبسط حقوقهم في استمرار قطع رواتبهم المكتسبة، لأن أرباحا ضخمة يتم حصدها من جراء الحرب، وتتخلق فئات تستفيد من هذا الوضع من الجانبين وهما يتصرفان دون رقيب أو حسيب بممتلكات الدولة اليمنية والثروات وغيرها.

وشكلت الحرب سماسرة من الجانبين يقومون بالغرض، وهناك أراض تعتبر كمناطق حرة يمكن للطرفين العمل بها بحرية كاملة، لذا فإطالة الحرب يعني نشوء ثقافة فيها يعلو صوت المدفع على صوت العقل وفيها تنشىء قوى طفيلية تسترزق وتتحرك في مساحة لا يحده حدود أو رادع فالقانون في سبات عميق.

هناك قرارات دولية حول الحرب تم التراخي من قبل الدول المعنية في تنفيذها، ولم تطبق ولم يستخدم الحزم اللازم في تنفيذ بنودها، وسمح لمن يريد أن يهرب السلاح للانقلابيين، كما سمح بإرسال المعونات الإغاثية تذهب إلى معاقلهم لكي يستمدوا القوة والاستمرارية كانت تلك وغيرها من الأسباب الأخرى التي عرقلت الحسم العسكري في مناطق لديها إمكانية للحسم، لما تملكه من قوة وعتاد وغطاء جوي فعال، مما أصبح وجود هذه القوة الضاربة في منطقة معينة تثير حولها الشكوك كونها تنتمي إلى فصيل محدد من الشرعية وهي رهن تصرفه.

من المؤسف أن تدار معركة بهذا الحجم الكبير والأهداف المعلنة بعقلية وحسابات حزبية ضيقة وبإرادة ماضوية تتصور أنها بهذا ستستعيد الماضي، ولكنها لا تدري بأن الزمن لن يعود إلى الخلف مرة أخرى، وفي الواقع يمكن أن تعرقل بعض الشيء لكن لا تستطيع أن تمنع المستقبل من فرض شروطه القاسية على الجميع.

هذا المقال يعبر عن رأي الكاتب ولا يعكس بالضرورة وجهة نظر شبكة إرم نيوز

الأكثر قراءة

No stories found.


logo
إرم نيوز
www.eremnews.com