منتدى فالداي في موسكو وتناقضات «الشرق الأوسط»
منتدى فالداي في موسكو وتناقضات «الشرق الأوسط»منتدى فالداي في موسكو وتناقضات «الشرق الأوسط»

منتدى فالداي في موسكو وتناقضات «الشرق الأوسط»

سامي عمارة

في توقيت مواكب لبدء ولاية الرئيس الامريكي الجديد دونالد ترامب، ولما يحتدم من تناقضات تكاد تودى بما بقي من “منطقية”، ووقار لدى معظم بلدان الاتحاد الاوروبي، بعد اعلان بريطانيا الخروج من الاتحاد الاوروبي، وما تموج به كبريات هذه البلدان من صراعات تدفع بالقوى اليمينية الى صدارة المشهد الانتخابي، تستعد موسكو لافتتاح الدورة السادسة لـ«منتدى فالداي» تحت عنوان «الشرق الأوسط .. متى يبزغ فجر الغد؟».

هذه الدورة وكما اكد المسئولون عن تنظيمها، مكرسة لتفسير أبعاد التحديات القائمة ومدى ارتباط هذه التحديات بما تموج به منطقة الشرق الاوسط من مشاكل وتناقضات، وتنعقد هذا العام في موسكو تحت شعار «الشرق الاوسط .. متى يبزغ فجر الغد؟»، في 27-28 فبراير الحالى بمشاركة عدد من أبرز رجالات السياسة والفكر من روسيا والعالم العربي وبلدان منطقة الشرقين الادني والاوسط، عقب انعقاد الاجتماع الدوري لمؤتمر الامن الاوروبي الذي كثيرا ما حدد ملامح تطورات السياسة الدولية منذ تأسيسه في عام 1963.

ولعله يكون من المناسب ايضا الاشارة الى أنها تأتي في توقيت مواكب للذكرى العاشرة لخطاب فلاديمير بوتين في دورته التي عقدت في فبراير 2007. وكانت موسكو توقفت كثيرا خلال الايام القليلة الماضية عند هذا الخطاب الذي يعتبره الكثيرون من المراقبين في المنطقة والعالم، علامة فارقة في تاريخ ما يسمى «الصحوة القومية» لروسيا، وتحولها من حالة الضعف والهوان التي عاشتها طوال تسعينيات القرن الماضي عقب انهيار الاتحاد السوفيتي السابق، الى ما اضحت عليه اليوم من مكانة متميزة اضطر الرئيس الامريكي السابق باراك اوباما معها الى الاعتراف في آخر مؤتمر صحفي عقده في برلين في نهاية العام الماضي قبل رحيله بانها” دولة عسكرية عظمى، مؤثرة في المنطقة والعالم ولا يمكن حل اي مشكلة بدون مشاركتها”، وهو الذي كان وصفها بانها مجرد «دولة اقليمية»!.

اما عن آفاق وموضوعات الدورة المرتقبة، فقد رأينا طرحها من خلال حديثنا مع البروفيسور اندريه بيستريتسكي رئيس صندوق دعم “منتدى فالداي”، عميد كلية الاعلام والاتصالات بالمدرسة الاقتصادية العليا فى موسكو، والذي تناول فيه اهم ملامحها، وما يمكن ان تحمله من جديد اضافة الى دورة العام الماضي، التي عقدت تحت شعار “الشرق الاوسط.. من العنف صوب الاستقرار”. قال بيستريتسكي .. “ان العالم يتغير بوتيرة سريعة. وقد جاء اعلان بريطانيا عن الخروج من الاتحاد الاوروبي، وفوز ترامب برئاسة الولايات المتحدة ليحدثا تغييرات شديدة الاهمية في كل انحاء العالم. ومضى بيستريتسكي ليقول ان الاوضاع في الشرق الاوسط صارت بلا شك شديدة الالتصاق بتطورات السياسة العالمية . وقد تغيرت اشكال وصور اللاعبين العالميين حول الشرق الاوسط. ونحن نرى المواقف الجديدة التي اعلن عنها ترامب وبغض النظر عن كونها تتسم بالمرونة في اجزاء منها، وبالتشدد في مواقع اخرى. واشار المسئول الروسي الى تغير وحدة المواقف في اوروبا، وإن لم تكن هذه المواقف في السابق تتسم بما يمكن ان يحمل معنى “الوحدة” في حقيقة الامر”. قال انه “يرى فرنسا وحتى ان لم تفز ماري لوبان في معركة الرئاسة ، تسير صوب التغيير حيث سيكون الفائز بالرئاسة مدعوا الى تعديل سياساته. وذلك ينسحب ايضا على المانيا. فالمستشارة انجيلا ميركل حتى واذا فازت في الانتخابات المقبلة، فانها ستكون مدعوة بلا شك الى مواصلة تعديل سياساتها. ونفس الشئ يمكن ينسحب على هولندا ومواقف اليمينيين هناك، على ضوء ما نشهده من تسارع لوتيرة الجنوح نحو الخروج من الاتحاد الاوروبي. فالتحديات كثيرة تواجه الجميع وسوف نكون امام معضلة تحركات اللاعبين الرئيسين في الساحة الدولية وطريقة تناولهم لمشاكل الشرق الاوسط. اننا سنكون في واقع الامر على اعتاب شكل جديد للعلاقات بالنسبة للشرق الاوسط . ولذا فان مؤتمرنا هذا العام سوف يكون مدعوا للبحث عن اجابات عن التحديات القائمة والمشاكل التي تواجهها البلدان العربية والتي نرى مدى تباينها وحِدًة التناقضات التي تتسم بها تأكيدا لان الشرق الاوسط ليس كيانا قائما بذاته، في الوقت الذي تمزقه هذه التناقضات والمشاكل”.

واستطرد بيستريتسكي ليستعرض بعضا مما شهدته منطقة الشرق الاوسط من ازمات ومشاكل ومنها سقوط طائرة الركاب الروسية فوق سيناء، واسقاط الاتراك للقاذفة الروسية فوق سوريا، وما تلا ذلك من أحداث وتطورات تحدد اليوم الكثير من ملامح العمل في الساحتين الاقليمية والدولية، وتوجهات موسكو تجاه اللاعبين الرئيسيين في المنطقة. وتوقف المسئول الروسي ايضا عند علاقات روسيا مع مصر ليؤكد انها لم تشهد خلال السنوات الاخيرة ما يعكر صفوها، وإن اشار الى “تعقد بعض جوانبها”، مؤكدا ضرورة تجاوز ما علق بها من “شوائب”، والسير قُدماً من اجل الارتقاء بها الى المستوى المنشود، نظرا لما يتسم به دور مصر في المنطقة من اهمية كبرى، وهو ما يجب الاستفادة منه من اجل التعاون في حل مشاكل المنطقة والعالم.

على ان ما يسترعى الانتباه اكثر، لدى مطالعة “أدبيات المؤتمر” هذا العام يمكن ان يكون اختيار شعار المؤتمر “الشرق الاوسط .. متى يبزغ فجر الغد؟”، بدلا من “ الشرق الاوسط .. متى يأتى “السلام”؟ الذي كثيرا ماكان موضوعا لمؤتمرات وندوات دولية واقليمية على مدى ما يزيد عن نصف القرن، وهو ما حاولنا استيضاحه لدى بيستريتسكي الذي قال “ان الامر لا يعدو “التلاعب بالالفاظ”. اننا نعيش مرحلة تعني فيها تنبؤات المستقبل اهمية كبرى ، ونحن نعلم ان العالم يتغير بشكل جذري، والدلائل كثيرة. وتقول ايضا بأن الشرق الاوسط يتغير داخليا وخارجيا، ولذا طرحنا كلمة “غدا” تعبيرا عن الرغبة في معرفة ما سوف تكون عليه المنطقة غدا. ومتى تتبدى أطر ذلك الغد .. أطر المستقبل القريب بعد ان تهدأ العاصفة”.

وكان من اللافت للانتباه ايضا، اغفال الحلقات النقاشية لدورة “فالداي” هذا العام، للقضية الفلسطينية والنزاع العربي الاسرائيلي كموضوع مستقل بذاته، ضمن الموضوعات المدرجة للنقاش، وهو ما فسره البروفيسور بيستريتسكي بقوله ان هذه القضية جزء من نسيج كل المشاكل المطروحة سواء كانت تتعلق بسوريا او العراق اوليبيا او اليمن، فضلا عن ان المشاركين في المؤتمر المقبل، ومنهم من أصحاب الشأن المباشر، ممن لا بد ان يطرحوها في اطار تناولهم لكل هذه القضايا، فضلا عن انها قضية تتداولها الالسنة والاقلام في كل مناسبة، بل اضيف انه كان هناك ايضا الكثير من قضايا الشرق الاوسط التي لم يتسع المقام لادراجها، مثل قضايا الاقتصاد والتنمية وغيرها. على ان ذلك لم يمنع ان تتوقف دورة “فالداي” هذا العام عند عدد من المحاور التي يمكن ان تكون عنوانا لتطورات السياسة الدولية في عام 2017 واهمها تغير النظام العالمي في منطقة الشرق الاوسط وتصاعد الحاجة الى الامن على ضوء تزايد اخطار الارهاب الدولي، وما نجم عن ذلك من تدفق موجات الهجرة التي تحولت بدورها الى احد اهم التحديات التي تهدد نظم السياسة والاقتصاد والبني الاجتماعية في العديد من البلدان الغربية بالدرجة الاولى. وتتسم هذه القضايا بأهمية خاصة على ضوء اجماع الآراء حول ان استشراء اخطار الارهاب ينال من استقرار النظام العالمى ويحول عمليا دون التنمية الحقيقية فى المنطقة العربية.

اما عن المحاور التي سوف تدور حولها الحلقات النقاشية لدورة “فالداي” هذا العام فتتلخص في “الارهاب: المعايير الاقليمية للاخطار العالمية”، وهو ما يستدعيه اتساع جغرافية الهجمات الارهابية التي استهدفت 28 دولة، الامر الذي يحدد ملامح المحاور الاخرى للمنتدى لمناقشة الاوضاع في كل من سوريا وللعراق، وليبيا واليمن، والتوقف عند اهمية ادوار اللاعبين الاقليميين في المنطقة . ومن هذا المنظور يطرح منظمو اللقاء المرتقب عددا من التساؤلات اهمها : “كيف يمكن حل القضايا الخلافية والتوصل الى التسويات المنشودة في كل من سوريا وليبيا واليمن”، وهل من الممكن ان تكون تركيا عنصرا لتوحيد الجهود ضد الارهاب في المنطقة، وكيف يمكن العثور على نقاط الالتقاء التي يمكن معها اختزال مساحات الاختلاف بين المملكة العربية السعودية وايران .

وبهذا الصدد تطرقنا في حديثنا مع بيستريتسكي حول دور ايران في المنطقة وما يثيره من حساسيات، لما يتسم به من تناقضات، وهو ما اجاب عنه المسئول الروسي من خلال الاشارة الى ما تقوم به طهران في اطار محاولات التوصل الى التسوية السلمية في سوريا في اطار “الترويكا” التي تجمعها مع روسيا وتركيا رغم كل ما يكتنف ذلك من غموض، ثمة من يعزوه الى ان ايران تبدو وفي تداخلاتها مع بعض ثنايا التسوية المرتقبة في المنطقة، جزءا من المشكلة، وليس جزءا من الحل، وهو ما ننتظر ان نجد تفسيرا له في معرض النقاشات التي سوف تحفل بها دورة “فالداي” الاسبوع المقبل في موسكو.

الأهرام

هذا المقال يعبر عن رأي الكاتب ولا يعكس بالضرورة وجهة نظر شبكة إرم نيوز

الأكثر قراءة

No stories found.


logo
إرم نيوز
www.eremnews.com