الهروب من الأخبار
الهروب من الأخبارالهروب من الأخبار

الهروب من الأخبار

زياد الدريس

ما يجري في العالم اليوم من تقلبات سياسية واقتصادية واجتماعية مفاجئة ومتسارعة هو أمرٌ فوق ما تطيق استيعابه النفس البشرية، ولذا تصبح متابعة الأحداث محيّرة للعقل ومنهكة للروح.

لكن هل أصبح أمامنا الآن خيار أن نتابع الأخبار أو لا نتابعها، مثلما كان خيارنا قبل انتشار وسائط الإعلام الجديد؟

هل نستطيع الابتعاد من (الأخبار) التي كنا في زمنٍ مضى نطاردها، وأصبحت الآن هي التي تطاردنا؟!

كانت العبارة الدارجة عندنا، قبل سنوات ليست كثيرة، أن «فلاناً يلاحق الأخبار». هل ما زال هذا التعبير صحيحاً، أو دقيقاً بالأصح؟

في الحقيقة أن التعبير ما زال صحيحاً، إذ يوجد حتى الآن (هواة ملاحقة الأخبار)، لكن بالمقابل وفي صورة أكثر اتساعاً، فإن الأخبار باتت هي التي تلاحقنا جميعنا، حتى إن لم نلاحقها.

هل ما زالت حيّةً صورة الإنسان الذي كان يخرج إلى مزرعته أو إلى مخيّمه البرّي ليومين أو ثلاثة، ثم إذا عاد إلى المدينة جلس متلهفاً مع أهله أو مع أصدقائه ليسألهم: وش الأخبار، ماذا حدث في غيبتي؟ هل ما يزال هذا الإنسان (البريء من المعرفة الجاهزة) موجوداً؟

قد يسأل أحدنا: ولماذا أصلاً فكرة الهروب من الأخبار؟

وقبل أن أجيب على هذا السؤال المشروع، لا بد أن أنوّه بأن التشنيع هنا، ليس على المختصين والخبراء الذين يلاحقون الأخبار المتعلقة باهتماماتهم، فهذه منقبة لهم وليست مذمّة، لكنه على الذين يطاردون الأخبار في كل فن وتخصص ومن كل حدب وصوب وضمن اهتماماتهم أو خارجها، لا لشيء إلا ليصبحوا قادرين على المشاركة في أي حديث تلوكه المجالس المتعددة التي يغشاها (هواة ملاحقة الأخبار)، أو ليفوزوا بوسام أول ناقل للخبر!

لذا فإن المعالجة من هذا الهوس تتطلب منّا امتلاك شجاعة كافية في أن نستطيع القول أمام الآخرين بأننا لا نعرف شيئاً عن هذا الموضوع أو ذاك، مما يُطرح في المجالس الواقعية والافتراضية.

أما لماذا نهرب من الأخبار، أو على الأقل نتوقف عن مطاردتها، فذلك لأسباب متنوعة من أهمها:

- إعطاء العقل فسحة للتأمل بالموجود قبل الانشغال بالجديد.

- منح النفس مساحة للانشغال بذاتها ومكنوناتها، عوضاً عن الانشغال بذوات الآخرين.

- تكوين هامش كافٍ من الوقت للروح كي تتجلّى وتترقّى في ملكوت الله وتنعتق من أغلال الحياة اليومية المنهكة.

- توفير الاهتمام الكافي لأخبار المحيط الصغير بجوارك من الأسرة والأقارب والأصدقاء.

- تقليص الاندفاع إلى تناقل الأخبار سيؤدي حتماً إلى تقليص حجم الأكاذيب التي بتنا نتورَّط فيها كثيراً.

كما أن استهلاك الوقت في تداول الأخبار سيقلّص الوقت الذي ينبغي منحه للقراءة في مظانّ المعرفة الحقيقية.

توقّفوا عن الهَوَس بمطاردة الأخبار، وإذا هي طاردتكم فلا تسمحوا لها باختطافكم.

الحياة

هذا المقال يعبر عن رأي الكاتب ولا يعكس بالضرورة وجهة نظر شبكة إرم نيوز

الأكثر قراءة

No stories found.


logo
إرم نيوز
www.eremnews.com