مأساة حلب: المسؤوليات والتبعات
مأساة حلب: المسؤوليات والتبعاتمأساة حلب: المسؤوليات والتبعات

مأساة حلب: المسؤوليات والتبعات

رضوان السيد

لا شكّ أنّ المسؤولين المباشرين والرئيسيين عن مذابح ومقاتل وتهجيرات جوار دمشق والقلمون وحمص والقصير وحلب، هم: نظام بشار الأسد والإيرانيون والميليشيات التابعة لهم والروس. وهذه الأطراف لا تنكر ذلك بل تفخر به، وإن اختلفت أسبابها، من مساعدة النظام الشرعي، ومقاتلة الإرهابيين والتكفيريين، إلى حماية العتبات والمزارات! وقد بلغ من «صراحة» الرئيس السوري أن كرر قبل أيام تصريحاً مفاده أنّ النسيج الاجتماعي السوري صار أكثر صحةً وتماسُكاً بعد الحرب. ويعني أنه قتل من «أعدائه» زُهاء الستمئة ألف، وهجَّر عدة ملايين، فتراجعت نسبةُ «السنة» بين شعبه، وإن ظلُّوا أكثر من اللازم!

لكنّ تحميل الإيرانيين والجيش (العربي) السوري والروس مسؤوليات القتل والتخريب، لا يُعفي المسلَّحين أنفسهم، كما لا يعفي الأتراك وبعض العرب الذين وقفوا مع النظام، والذين وقفوا ضده. فهؤلاء المسلَّحون عجزوا في أقسى الظروف عن التوحد في الحد الأدنى. ورغم وجود ضباط محترفين بينهم، عجزوا عن شنّ حروب عصابات، كما يفعل الثوار. عدم تحقق وحدتهم وسلامة تحركاتهم سهّل عمليات اختراق النظام لهم، كما سهّل للمتطرفين الاستيلاء على قرارهم. وكذلك الأمر مع أخذ البلدات والتمركز فيها بدلاً من ضرب البنى العسكرية والأمنية والانسحاب. لقد صار أي تنظيم مهما بلغ صغره يعتمد على احتلال بلدة أو ناحية والتمركز فيها واستغلال مواردها كأنما هو دولة مستقلة. وإذا حاول الامتداد فيكون غالباً ضد تنظيم أضعف منه. إنما في الأعم الأغلب لا امتداد بل الانتظار والاستمتاع حتى يحاصره النظام ويضربه بالبراميل المتفجرة والمدفعية ويشنّ حرب التجويع وصولاً للإرغام على الاستسلام بعد ما نَمَت الميليشيات الإيرانية والمتأيرنة. وهكذا حصل في ضواحي دمشق والقلمون وحمص وشرق حلب أخيراً. لقد كان سُذّج المقاتلين يراهنون على أن النظام لن يقصف التنظيمات المسلَّحة لأنها تستتر بالمدنيين المساكين. بينما كان كثير من المسلحين يستغلون المواطنين، ويتخذونهم دروعاً في الوقت نفسه. ثم إن تكتيكات القتال التمركزي هذا كانت غامضةً جداً. فماذا كان يفعل «جيش الإسلام» الضخم طوال ثلاث سنوات في ضواحي دمشق؟! وما كان النظام يتعرض له غالباً، وهو لا يتعرض للنظام! بل كان دأبه الامتداد على حساب التنظيمات الأُخرى. وعلى أي حال فإنّ التنظيمات الكبرى، المتطرفة والمعتدلة، ما اختلف سلوكها عن الصغرى من حيث التمركز وعدم التقدم والقتال الدفاعي، ومحاولة افتراس التنظيمات الأصغر والوصول أخيراً إلى نفس المصير: الحصار والقصف السوري والروسي ثم الإرغام على الجلاء مع المدنيين!

ولنصل إلى تركيا واهتماماتها ومصالحها. في مطلع 2013، وبعد تدخل «حزب الله» مباشرةً في سوريا، وبدء الحركات الاستقلالية الكردية من دون مقاومة من نظام الأسد، قال لي جنرالان تركيان رأيتُهما مع إعلامي تركي صديق: إذا لم نتدخل مباشرةً أو بالواسطة هذا العام (2013) فسنواجه الإيرانيين والأكراد معاً في سوريا والعراق! والذي يبدو لي أن الأتراك راهنوا على «النصرة» و«داعش». وعندما تبين لهم، بعد فوات الأوان، خطورة الأمر دعموا، بعد موافقة الأميركيين، «أحرار الشام» و«نور الدين زنكي» والكتائب المشابهة. لكنْ حتى في هذه الحالة، والثوار تابعون لهم تسليحاً وتمويلا، لم يستطيعوا توحيدهم! ثم عندما تدخلوا أخيراً، وبعد فوات الأوان، ما وجدوا معهم غير ألفي مقاتل، بينما استطاع الأكراد تجنيد خمسة آلاف عربي معهم (!). عندكم ثلاثة ملايين سوري، وتلعب بكم الإدارة الأميركية طوال أربع سنوات، ولا تفكرون في إعداد عشرين ألف سوري ممن عندكم، ولو بالسلاح الخفيف والمتوسط وحسب؟! هذا بينما دفع الإيرانيون بميليشيات إلى سوريا من أفغانستان والعراق ولبنان بلغت أعدادها أربعين ألفاً وأكثر.

المهم الآن أنه حتى مجلس الأمن ما عاد بوسعه التدخل في سوريا إلا إذا وافق الثلاثي: الروس والإيرانيون والأتراك. والذي أُرجِّحه أن يستعين الروس أنفسهم بمجلس الأمن إذا تصاعد الخلاف الإيراني التركي، وتعذر على موسكو إقناع الطرفين بالاتفاق على وقف النار، ثم على الحل السياسي، ويا للعرب!

الاتحاد

هذا المقال يعبر عن رأي الكاتب ولا يعكس بالضرورة وجهة نظر شبكة إرم نيوز

الأكثر قراءة

No stories found.


logo
إرم نيوز
www.eremnews.com