أمـــا مــن «مبادرة تاريخية»؟!
أمـــا مــن «مبادرة تاريخية»؟!أمـــا مــن «مبادرة تاريخية»؟!

أمـــا مــن «مبادرة تاريخية»؟!

عريب الرنتاوي

لو كنت في موقع “الناصح” أو “المستشار” للنظام في دمشق، لاقترحت عليه أن يقدم من دون تردد، على إطلاق “مبادرة مصالحة تاريخية”، مستنداً إلى الزخم الذي أحدثه انتصار قواته في حلب الشرقية… مبادرة تتخطى المصالحات المحلية التي تنهض أساساً على فكرة “عودة المُغرر بهم”، على غرار “عودة الابن الضالع” … مبادرة تتخطى حدود “التعديل الوزاري” الذي يقترحه النظام عادة، كأن يسلم رموزاً معارضة، حقائب ثانوية معينة، في حكومة ينزع الدستور القائم، دسمها بالكامل، فلا صلة لها بالأمن والدفاع والسياسة الخارجية، لا من قريب ولا من بعيد، شأنها في ذلك، شأن معظم الحكومات العربية بالمناسبة.

وبدل أن يقتصر “العفو الرئاسي العام” على المقاتلين الذي يسلمون أنفسهم وأسلحتهم على جبهات المواجهة الساخنة، لاقترحت أن يبدأ العفو بالإفراج عن المعتقلين السياسيين وسجناء الرأي والضمير، من أمثال عبد العزيز الخيّر ورجاء الناصر وغيرهم … هؤلاء الذي رفضوا التدخل العسكري الخارجي وعسكرة الانتفاضة منذ البدء، وكانت لهم مواقف معارضة وطنية مشرفة، ولكنت اقترحت تقديم مختلف الضمانات، لعودة معارضين كثر، ممن لم يتورطوا في ألاعيب الاستخبارات والإرهاب ولم يتلوثوا لا بالدم السوري ولا بتملق إسرائيل والسجود على عتباتها غير المقدسة.

ولكنت اقترحت استدعاء موسكو أساساً، لكي تشرع هي بالذات، في الإشراف على “تبييض السجون” والاتصال مع معارضي الخارج والداخل، بما فيها المعارضة الكردية، في محاولة لتهيئة المناخات لحوار سوري – سوري، من دون تدخل أو إملاءات خارجية، من أي نوع، حوارٌ يسهم في عزل الامتدادات الضارة للأجهزة الأمنية العربية والإقليمية والدولية، ويحاصر الجماعات الإرهابية والجهادية، التي لا يمكن اختزالها بداعش والنصرة.

ولكنت اقترحت أن يتضمن جدول أعمال الحوار الوطني، إعادة صياغة النظام السياسي السوري، فسوريا لن تحكم بعد سنوات الأزمة و”الزلزال” بالصيغ القديمة، وإن لم تطرأ إصلاحات جوهرية على شكل ومضمون نظامها السياسي، إن لم يجري توزيع أفقي وعامودي للسلطة والثروة، فالمؤكد أنها ستمضي سنوات عديدة قادمة، في حروب الكر والفر والمواجهات المتنقلة، وستظل تربة خصبة، قادرة على إنتاج وإعادة انتاج، التطرف والإرهاب من جديد.

سيقول قائل، أن ذلك، لن ينهي المشكلة مع جماعات مسلحة، بأجندات استخبارية خارجية أو أجندات جهادية أممية، وهذا صحيح … بيد أن الصحيح كذلك، أن إجراءات صلبة من هذا النوع، من شأنها أن تحصن الجبهة الداخلية السورية في مواجهة هؤلاء، وإن تعيد بناء التوافق الوطني والاجتماعي السوريين، وأن تسد الشقوق والمنافذ، التي تتسلل منها مختلف أشكال التدخلات الخارجية، وستسحب البساط من تحت أقدام قوى إقليمية شريرة، وستساعد في توظيف المناخات الدولية الجديدة، التي ستصاحب الانتقال السياسي في واشنطن الشهر المقبل.

لكن النظام يتصرف من موقع “المنتصر”، وربما تكون قد انتعشت في أوساطه، أوهام الحسم والحل العسكريين، كما بدا جلياً من تصريحات بعض أركانه … وهو أمر بحاجة إلى تدقيق وتمحيص، فنصر حلب الشرقية، تم “تنفيسه” في تدمر والباب، والانتصار في معركة لا يعني كسب الحرب، حتى وإن كانت المعركة استراتيجية كمعركة استرجاع حلب الشرقية، فما زالت أجندة الحسم والحل، بانتظار إدلب ودير الزور والرقة ومناطق “روج آفا” ومناطق درع الفرات والجبهة الجنوبية، وأطراف العاصمة بغوطتيها … الحرب ما زالت بعيدة عن الحسم، حتى بعد أن تصمت المدافع على جبهة حلب.

هنا يمكن الاستفادة من المناخات الدولية الجديدة، التي ستأتي مع إدارة ترامب، من أجل الخروج من شرنقة التفكير بالحلول الأمنية والعسكرية، إلى اجتراح مبادرات سياسية كبرى، وبدل أن تظل سوريا هدفا لحروب الوكالة “Proxy Wars”، يمكن أن تستفيد من “سلام الوكالة” أو “Proxy peace”، كأن يجري ترتيب حوارات في العمق، مع وحدات حماية الشعب، ويجري تفعيل القنوات الديبلوماسية لحل مشكلة الجبهة الجنوبية بأقل قدر من الخسائر، وربما إنجاز تسويات عبر القناة الروسية – التركية، لحل مشكلات الحزام المحيط بالعاصمة من أكثر من جهة، والذي لا يزال يشكل تهديداً أمنياً، حتى وإن تراجعت خطورته، كتهديد استراتيجي.

المبادرات الكبرى، عندما تصدر من موقع المنتصر والقوي، يكون لها وقعها وتأثيرها، أكثر من تلك التي تصدر من موقع ضعف وتراجع، في الحال الأولى، تحمل معاني الحرص على سلامة الوطن والمواطن، والتطلع للمستقبل، وفي الحالية الثانية، تبدو مناورة انتهازية، لإنقاذ الذات من مصير محتوم، ولا تستبطن أية معاني إضافية … ومنذ 2013، والنظام في حالة تراجع، إلى أن بدأت عقارب الأزمة تضبط وفقاً لتوقيته وتوقيت حلفائه، منذ القصير وحتى حلب الشرقية، الأمر الذي يجعله مؤهلاً، أقله من حيث المبدأ، ومطالباً بكل تأكيد، بالتقدم بمبادرات سياسية نوعية، تخرج البلاد من مستنقع الدم والخراب، وتعيد بعث الأمل في نفوس السوريين وصفوفهم.

الدستور

هذا المقال يعبر عن رأي الكاتب ولا يعكس بالضرورة وجهة نظر شبكة إرم نيوز

الأكثر قراءة

No stories found.


logo
إرم نيوز
www.eremnews.com