الترانسفير والنسيج المتوازن!
الترانسفير والنسيج المتوازن!الترانسفير والنسيج المتوازن!

الترانسفير والنسيج المتوازن!

رضوان السيد

جرى في القاموس الصهيوني الدولي مصطلح الترانسفير عَلَماً على تهجير الصهاينة للفلسطينيين عام 1948 لكي يحلَّ محلَّهم مستوطنون. وقد تطور الأمر كثيراً بعد عام 1967 حيث أُرغم الفلسطينيون على الهجرة مرةً أُخرى إمّا إلى مخيمات لجوء جديدة بداخل الأراضي المحتلة، وإما إلى الأردن. الترانسفير الأول كان إلى الأردن ولبنان وسوريا. ومن الترانسفير الثاني نال لبنان بضعة آلاف من المقاتلين الفلسطينيين وعائلاتهم والذين جاؤوا بعد عام 1971 من الأردن. وللفلسطينيين ترانسفير ثالث من سوريا إلى لبنان، من المخيمات الفلسطينية هناك، وقد هجَّرهم نظام الأسد من مخيم اليرموك وغيره بعد عام 2013.

إن حديثي هنا ليس عن ترانسفيرات الفلسطينيين المعروفة والمشهودة، بل عن الترانسفير الجديد، الترانسفير السوري. فقد هجّر النظام السوري ما بين ستة وسبعة ملايين من مواطنيه إلى خارج سوريا، وفي حدود السبعة ملايين غادروا مساكنهم إلى أماكن أخرى بداخل سوريا، أي إلى المناطق التي يسيطر عليها المسلحون من خصوم الأسد. أما لماذا أتحدث عن المهجَّرين السوريين، فلأنّ الرئيس السوري أعطى في حديث له أخيراً وظيفةً شديدة الإيجابية للترانسفير، حين قال إن النسيج الاجتماعي السوري اليوم أفضل مما كان عليه قبل الحرب، إذ صار هناك توازن ديموغرافي(!). وهو يقصد أنّ السنة الذين كان عددهم يناهز الـ19 مليوناً من 24 مليون، صار عددهم بالداخل السوري لا يزيد على 12 مليوناً. وهم يتركزون في مناطق معينة هُجِّروا إليها، حيث صاروا أقليات فيما بين دمشق ومنطقة القلمون وحمص والساحل، أي بانياس وطرطوس واللاذقية وجبالها لناحية القرداحة. ولا تزال عمليات التهجير جاريةً في ضواحي دمشق والغوطة والريف الشرقي والغربي، في حين تكفَّل «حزب الله» والميليشيات الإيرانية والمتأيرنة بإخلاء منطقة القلمون الشاسعة على حدود لبنان الشرقية والشمالية وصولاً إلى حمص. وهكذا لم يقلّ عدد العرب السنة بداخل سوريا إلى حدود الـ12 مليوناً فقط، بل صارت تركزاتهم السكانية الكبيرة في الشمال فيما بين حماة وإدلب ودير الزور والرقة والحدود التركية. وإذا نجح الروس والميلشيات في الاستيلاء على شرق حلب، فسيحصل تهجير لنصف المليون سوري هناك إلى الشمال أيضاً، أي إلى المنطقة التي يسيطر عليها المسلحون المعارضون والأكراد أو إلى المنطقة الآمنة التي تريد تركيا إقامتها!

لا يزيد عدد العلويين في سوريا على المليونين ونصف المليون، وما عاد عدد المسيحيين أكثر من مليون ونصف، وزاد عدد الشيعة والأقليات الأخرى إلى نصف مليون. وفي حساب الأسد الجديد، فإنّ السنة العرب ما عاد عددهم بداخل سوريا يزيد على ضعف عدد الأقليات، ثم إنهم متركزون خارج «سوريا المفيدة» الممتدة بين دمشق والساحل. ويجاور «سوريا المفيدة» هذه على المقلب الشرقي والشمالي للحدود شيعة لبنان ومسلحو «حزب الله»، الذين لا يقلقهم غير التجمع السني الصغير في بلدة عرسال، والذي يعتبرونه تجمعاً داعشياً ويفكرون من سنتين في كيفية اقتلاعه!

الرئيس السوري يرى إذن أنّ تهجير نصف شعبه فيه خيرٌ وتوازُن. وكما قال مرة، إنما الوطن لمن يهبُّون للدفاع عنه. وهكذا فهو نفسه الوطن والأمة، والإيرانيون والأفغان والروس أولى بالمواطنة السورية لأنهم جاؤوا للدفاع عن نظامه باعتباره كذلك، أما المهجَّرون من النساء والأطفال فما فائدتهم، وبخاصة أنهم ضده ولو كانوا مقمَّطين في الأَسِرَّة. أما لجهة هوياتهم الدينية والطائفية، فلستُ أدري ما إذا كان الأطفال الذين ماتوا بالكيماوي أو في المدارس والمستشفيات، يعرفون أنهم يموتون لأنهم سنةٌ عرب!

ولنمض إلى مواطن التهجير خارج سوريا. فالمليون الذين ذهبوا إلى ألمانيا وديار أوروبا الأخرى وأميركا وكندا وأستراليا، فإنهم لن يعودوا بعد نجاتهم من الموت. ولا يبدو الأردن قلقاً من حوالى المليون عنده، وبخاصة أن الصِلات القَبَلية قائمة بين حوران ودرعا ومنهما معظم اللاجئين إلى الأردن، وبين المناطق الواقعة على الحدود وحتى عمّان. وفي تركيا ثلاثة ملايين، ولا تبدو هي بدورها قلقةً كثيراً، لأنها تستخدمهم للعب دور في الأزمة السورية، وتستطيع إزاحة أكثرهم إلى المنطقة الآمنة التي تنشؤها، وتظل تساوم عليهم أوروبا المتصدعة. وتبقى أكبر المشكلات في لبنان، وفيه حوالي المليون ونصف المليون. السياسيون المسيحيون يتخذون من ذلك معذرةً لتجييش المسيحيين بشعارات عنصرية، بالزعم أنّ المراد التوطين. و«حزب الله» خائفٌ منهم لأنهم سنة، لكنه لا يقول شيئاً لأنه هو الذي تسبب في تهجير معظمهم وهو يحتل اليوم مناطقهم بين القلمون وحمص. وهكذا يصبح الفائز الوحيد بهذه الحسبة هم الإسرائيليون والرئيس السوري، لأنهم يريدون أرضاً بدون شعب! ولا حول ولا قوة إلا بالله.

الاتحاد

هذا المقال يعبر عن رأي الكاتب ولا يعكس بالضرورة وجهة نظر شبكة إرم نيوز

الأكثر قراءة

No stories found.


logo
إرم نيوز
www.eremnews.com