مع كلينتون من دون آمال أو أوهام
مع كلينتون من دون آمال أو أوهاممع كلينتون من دون آمال أو أوهام

مع كلينتون من دون آمال أو أوهام

عبدالوهاب بدرخان

اليوم يومٌ أميركي - عالمي صعب، أُشيرَ إليه مسبقاً وكأنه الحد الفاصل «بين الخير والشر». الأبيض والملوَّن، الرجال والنساء، المجتمعات والجاليات، سمعوا مَن يقول لهم طوال شهور أن أوراقهم في صناديق الاقتراع تكتسب هذه المرّة أهمية استثنائية غير مسبوقة. أما اللغة التي استُخدمت في الخُطب والمناظرات والمقالات فذكّرت كثيرين بمراحل أميركية متوتّرة، كحقبة الصراعات العنصرية أو مطاردة الشيوعيين وذوي الأصول اليابانية بعد كارثة بيرل هاربر أو عقب تفجيرات الحادي عشر من سبتمبر 2001. كما أن نمط التحزّب الذي بلوره دونالد ترامب لم يكشف انزلاق ناخبي الحزب «الجمهوري» إلى «يمينية» فجّة فحسب بل استفزّ أيضاً حساسية تجاه «حكم النساء» وعدائية للمسلمين كان يُظَن أن المجتمع الأميركي تجاوزهما. فمستوى النقاش وردود الفعل يكاد يشبه ذلك الذي يشهد بعض بيئات الشرق الأوسط بين المتعصّبين لإيران ورافضي سياساتها.

الصفات الأكثر تهذيباً التي خُلعت على ترامب في معرض انتقاده هي أنه «غير مهذّب» أو «غير لائق» أو «شعبوي»، ويمكن أن تكون أكثر سوءاً وبذاءة في بعض البيئات، لكنها جميعاً لا تعني شيئاً في السياسة أو ربما تعني انحطاطاً للسياسة. وأظهرت استطلاعات الرأي أن النقاط التي تتأرجح صعوداً وهبوطاً بين المرشحين تعبّر فقط عن المتردّدين، في حين أن كل الجهد الذي بذلته حملة هيلاري كلينتون استهدف دفع ناخبي منافسها أو جزء منهم إلى مراجعة مواقفهم، هو ما لم يحصل، إذ إن الهجمات عليه وتسليط الأضواء على فضائحه وتبرّؤ الأقطاب «الجمهوريين» منه زادت ناخبيه تحمساً له. تأكّد أن لهذه الشعبوية اليمينية جذوراً في ثقافة الطبقة العمالية والصفوة الغنية، أي لدى فئتين لا تلتقيان عموماً. وكانت هذه المفارقة سُجّلت في الاستفتاء البريطاني على البقاء أو الخروج من الاتحاد الأوروبي، وقد ردّ ترامب مرّةً على مرجّحي فشله متوقّعاً أن تأتي الانتخابات الرئاسية بمفاجأة على غرار «بريكسيت».

لم يتأخر المراقبون في ملاحظة أن ترامب استوحى خطاب الإثارة الذي اعتمده من الموجات العالمية المائلة إلى توظيف كل أنواع التطرّف والسطحية: ربط الإرهاب بالإسلام، الهجرة واللجوء والصراع على فرص العمل، الإعجاب بجوانب القوة التي يمثّلها فلاديمير بوتين في تحدّيه لباراك أوباما، أو بنيامين نتنياهو وبشار الأسد في «مواجهتهما للإرهاب»، أو حتى حكّام إيران في مغامراتهم الإقليمية. هذه محاور خارجية تراوح بين هواجس الأمن وإظهار القوة، وتترجم داخل أميركا بأنها من عوامل فشل أوباما خارجياً، علماً بأن الانتخابات نادراً ما تُحسم على قضايا خارجية، وحتى إشعار آخر فإن الإنجازات التي تُنسب إلى أوباما كلّها داخلية، وكلّها اقتصادية، بل إنها رجّحت إعادة انتخابه لولاية ثانية عام 2012. وحين يُراد التركيز على نقاط القوة لدى ترامب، يأتي الاقتصاد في طليعتها رغم أن غالبية الاختصاصيين ينبّهون لأنه لم يطرح أي فكرة تؤكّد هذا الادعاء.

في السياق ذاته يُقال إن أهم نقاط الضعف عند كلينتون اعتقاد عام راسخ بأنها تمثل سياسات أوباما واستمراريتها، وقد يكون ذلك صحيحاً إلى حد ما في بعض الملفات، خصوصاً الداخلية، غير أن الإشارات الروسية إلى تفضيل ترامب والسعي إلى دعمه بالقرصنة الإلكترونية وغيرها تفيد بأن بوتين يتوقّع أن تذهب هيلاري إلى خيارات لن تناسب روسيا وقد تحرجها. ذاك أن المرشحة «الديموقراطية» لم تكشف كل أوراقها، ولم تتعهّد مسبقاً بمواصلة سياسات الانكفاء التي التزمها أوباما، بل إنها عبّرت عن إدراكها بأن روسيا وإيران وحتى الصين ذهبت بعيداً في استغلال ما أظهرته سياسات أوباما من ضعفٍ ألّب ضدّه «مؤسسة الحكم»، تحديداً البنتاجون والكونجرس.

بدهي أن هذا الحدث الأميركي - العالمي يؤجّج النقاش عند العرب، ولم يسبق أن أصابت توقعاتهم إزاء أي رئيس تفاءلوا بمجيئه، «جمهورياً» كان أم «ديموقراطياً»، وقد خاض ترامب وكلينتون مزايدات في وعودهم بدعم إسرائيل إرضاءً للوبي والناخبين اليهود. والأرجح أن التوقعات مختلفة هذه المرّة، فالعرب يئسوا منذ زمن من احتمال مجيء إدارة أميركية مستعدّة لإنصاف للشعب الفلسطيني وإنهاء الاحتلال الإسرائيلي، لكنهم مع أوباما الذي بنوا عليه آمالاً كبيرة تعرّفوا إلى نمط الحليف/ الخصم، وأصبحوا يتطلّعون إلى أي رئيس آخر معني بعدم تفكيك الدول وتشتيت الشعوب، من العراق إلى سوريا واليمن وليبيا وغيرها. ولا شك أن العرب يفضّلون كلينتون من دون آمال أو أوهام، فقط لأن ترامب ألغى أي مسوّغ للمراهنة عليه حين أبدى مقداراً وقحاً وخطيراً من الحقد والعداء تجاههم.

الاتحاد

هذا المقال يعبر عن رأي الكاتب ولا يعكس بالضرورة وجهة نظر شبكة إرم نيوز

Related Stories

No stories found.
logo
إرم نيوز
www.eremnews.com