الانتخابات الأميركية والمشهد العربي
الانتخابات الأميركية والمشهد العربيالانتخابات الأميركية والمشهد العربي

الانتخابات الأميركية والمشهد العربي

محمد خلفان الصوافي

من الأشياء اللافتة خلال هذه الأيام أن الرأي العام العربي أكثر اهتماماً بالانتخابات الأميركية وبتصريحات المرشحين، الجمهوري دونالد ترامب والديموقراطية هيلاري كلينتون، واللذين تعقد اليوم آخر مناظرة بينهما في جامعة نيفادا، بل يصل الأمر إلى أن يتابعوا تفاصيل تلك المناظرات التي عادة ما تعقد بعد منتصف الليل بتوقيت غالبية الدول العربية، وأصبح تحليل الفوارق النسبية التي ترصد بعد الانتخابات مباشرة أمر مهم لأنها تعطي معلومة لمعرفة مَن المرشح الأوفر حظاً في الوصول إلى البيت الأبيض.

وفي مقابل ذلك فإن هذه الانتخابات جعلت الإنسان الأميركي، وأقصد هنا الإعلاميين الذين يصنعون الرأي العام، أكثر ابتعاداً عما يحصل في المنطقة العربية أو على الأقل أكثر ابتعاداً عما يحصل في دولها باعتبار أنه شأن داخلي فيها أكثر والأولوية لما يحصل خارجها، وإذا كان الأمر له علاقة بثقل الولايات المتحدة في الساحة الدولية، اقتصادياً وسياسياً، فإن الأمر المهم أن لا يجعلنا ذلك نتغافل عما يحدث في منطقتنا لأنه يخرجنا عن السياق المفترض.

ومما يثير الدهشة أن المتابعة تصل إلى أدق التفاصيل، ومن أناس ليس لهم علاقة بالسياسة، لدرجة أنك قد تجد مَن يحول اهتماماته اليومية كلها لتكون حول الانتخابات الأميركية بحيث تصبح متابعة ما يكتب في الصحف الأميركية ووسائل الإعلام الأخرى روتيناً يومياً، وأن البرامج الحوارية والتلفزيونية وما تنقله من آراء وتوقعات، أصبحت مادة للمناقشة اليومية، وبالتالي باتت الأكثر مشاهدة. ويصل الأمر في بعض الأحيان إلى الحكم بأن البعض يؤكد أن المرشح الفلاني هو الفائز في هذه الانتخابات، وفق «الذهنية العربية» القائمة على الجزم في الأمور ووهم امتلاك الحقيقة الكاملة، وأن نتائج الاقتراع هي مسألة تحصيل حاصل، وكل شخص يقدم مبررات لما يعتقده في هذا الخصوص.

هذه المتابعة ليست استثناءً لدولة عربية دون أخرى، بل إن المشهد متكرر في كل العواصم العربية تقريباً. وتكفي متابعة التغطيات الصحافية والبرامج الاجتماعية للتأكد من ذلك. والأمر ليس نوعاً من الرفاه الفكري أو السياسي لبعض مواطني الدول العربية، بل عليك أن لا تستغرب إذا وجدت بعض المواطنين العرب من المهمومين بما يجري في بلدانهم، مثل العراق وسوريا، لكن متابعتهم للانتخابات الأميركية وشطحات ترامب مستمرة، بل ومتعمقة في التفاصيل.

لا شك في أن الانتخابات الأميركية ليست شأناً داخلياً أميركياً صرفاً، لا سيما أنها ستتمخض عن اختيار رئيس أكبر دولة في العالم، وأن أحداثها ذات إيقاع مؤثر في الإعلام العالمي.

لكني أعتقد أن هناك أحداثاً عربية لها علاقة مباشرة بصناعة مستقبل المنطقة ينبغي أن لا تغيب عن إدراك الإنسان العربي، وإلا فسيتفاجأ في لحظة معينة بتغيرات لم تكن في الحسبان. وإذا افترضنا أن الانتخابات الأميركية تفرض نفسها على الإعلام العالمي، فإنه لا يفترض تجاهل ما يحدث في المشهد العربي، وأن يكون هو الأقل أهمية، خاصة أنه بعد هذه المناظرة سندخل في المرحلة الأكثر دقة حيث يتوقع أن يرحل الحدث العربي إلى الصفحات الأقل أهمية وفي البرامج الثانوية والصفحات الداخلية.

اهتمام المراقب العربي للانتخابات الأميركية أمر له جذوره الممتدة منذ انتخاب الرئيس بوش الأب، وهو يتصاعد مع مرور الوقت، وقد وصل اليوم حداً أصبح معه يعيش الإنسان العربي «قلق» تلك الانتخابات بدرجة ربما تفوق الإنسان الأميركي نفسه، وهذا مؤشر إما على زيادة اهتمام المواطن العربي بالشأن السياسي والقضايا الدولية، أو على تراجع ثقة الإنسان العربي في الإعلام وفي السياسة العربيين وفي إمكانية تغيير الوضع في منطقته، وبالتالي فهو يحاول أن يتفاعل ليتعرف على مَن باستطاعته أن يساعده في الخروج من «المأزق» الذي تعيشه منطقته. والواقع أن القارئ العربي لم يعد يدرك ما يحصل في العراق وسوريا أو يعي بحقيقة التمدد الإيراني، الناعم والخشن!

تلك بعض النقاط التي يمكن أن تثار في «منتدى الاتحاد» الحادي عشر، والذي سوف يعقد يوم غد الخميس، وسيكون موضوعه «سايكس بيكو الجديدة»، فالأمر يحتاج إلى رؤية استراتيجية عربية تجعل أبناء المنطقة أكثر اطمئناناً على منطقتهم، بعدما أثبتت القوى الكبرى أن هدفها مصالحها فقط، وأن «قلقها» الدائم ليس من أجل سكان هذه المنطقة بقدر أنه قلق على حجم النفوذ الذي تسعى للحصول عليه في المنطقة.

والحاصل في منطقتنا ليس قدَراً سياسياً، لكنه نتيجة لحالة تراجع في إعطاء الأولوية العربية لأن يكون العرب هم الفاعلين في قضاياهم بدلاً من رهان على القادم إلى البيت الأبيض.

الاتحاد

هذا المقال يعبر عن رأي الكاتب ولا يعكس بالضرورة وجهة نظر شبكة إرم نيوز

الأكثر قراءة

No stories found.


logo
إرم نيوز
www.eremnews.com