سلوك رخيص!
سلوك رخيص!سلوك رخيص!

سلوك رخيص!

سليمان جودة

لا تكاد تفتح صحيفة هذه الأيام٬ إلا وتجد فيها كلاًما عن قانون «جاستا» الأميركي٬ وهذه الكلمة التي بين الأقواس٬ هي اختصار لقانون صدر عن الكونغرس في واشنطن٬ اسمه: قانون العدالة في مواجهة رعاة الإرهاب!

وأنت سوف تقرأ عن هذا القانون٬ أنه يتيح لضحايا هجمات الحادي عشر من سبتمبر (أيلول)٬ مقاضاة دول حول العالم٬ وأن السعودية من بين هذه الدول! وتقرأ عنه لدى أهل الإنصاف٬ أنه قانون قد أخطأ العنوان٬ إذا كان العنوان الذي يريده ثم يقصده هو الرياض.. إذ المنطق يقول إن الرياض لو كانت لها علاقة بالهجمات٬ تمويلاً أو رعاية أو أي شيء من هذا النوع٬ ما كانت لعلاقة كهذه أن تختفي معالمها 15 عاًما كاملة٬ منذ جرى شن الهجمات في عام 2001 إلى اليوم!..

ثم تظهر فجأة هكذا٬ أو تطفو على سطح الأحداث٬ دون مقدمات وبلا مناسبة هكذا أيًضا! ولقد قرأنا مراًرا من قبل عن أن اللجنة الوطنية الأميركية٬ التي تشكلت فيما بعد وقوع الهجمات قد أعدت تقريًرا عنها٬ وأن السلطات الأميركية عند نشر التقرير قد أخفت 28 صفحة منه٬ وأن هذه الصفحات تدين دولاً٬ وأن السعودية من بين الدول المدانة٬ فلما تم الكشف عن تلك الصفحات أول هذا العام٬ تبّين أنه لا علاقة للسعودية بالموضوع٬ وأن ترديد هذه الحكاية بامتداد 15 سنة تقريًبا٬ كان له هدف وحيد٬ هو محاولة ابتزاز المملكة!

ويبدو أن الذين يئسوا من محاولة الابتزاز قد داروا إلى الجهة الأخرى٬ ليجربوا ابتزاًزا من نوع آخر٬ عن طريق هذا القانون الصادر عن الكونغرس.. لعله هذه المرة يجدي! وأنت في حالة ثالثة٬ سوف تقرأ فيما تقرأ عن القانون٬ أن الرئيس الأميركي أوباما يملك حق الفيتو عليه٬ وأنه سوف يمارس هذا الحق عندما يصل القانون إليه!

والحقيقة أن هذا٬ في ظني٬ ابتزاز من نوع ثالث٬ أو على مستوى ثالث! فالسؤال هنا٬ إنما هو على النحو التالي: إذا كان أعضاء الكونغرس يعرفون أن رئيسهم يملك حق الفيتو٬ وإذا كانوا على يقين بأنه سوف يمارسه٬ فما الذي بالضبط كان يحركهم وهم يناقشون مشروع القانون ثم يمررونه٬ ويحولونه في النهاية إلى قانون كامل الأركان؟!

هل هي لعبة بين الكونغرس والبيت الأبيض٬ ثم بين أطراف أخرى معهما في الولايات المتحدة لا نراها٬ لأنها تتحرك وراء الستار؟! هل هو تقسيم أدوار٬ بحيث يمرر الكونغرس مشروع القانون٬ ثم يوقفه الرئيس٬ وما بين التمرير والإيقاف٬ تتحقق أهداف محددة؟! هل هي حكاية مقصودة٬ من جانب إدارة أوباما٬ قبل رحيله من المكتب البيضاوي٬ في آخر يناير (كانون الثاني) المقبل؟! وما الهدف على وجه التحديد مما قيل عن أن أوباما لن يمارس حق الفيتو على القانون قبل نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل٬ أي بعد إجراء انتخابات الرئاسة الأميركية في 8 من الشهر نفسه وإعلان اسم المرشح الفائز؟!

هل الهدف هو أن تنضج عملية الابتزاز الأميركية للسعودية على نار هادئة٬ وتأخذ وقتها وتستغرقه تماًما؟! إنني لا أستطيع الفصل بين تمرير مشروع القانون في الكونغرس٬ والخبر المنشور في التوقيت ذاته عن أن الأميركان يعرضون على المملكة سلاًحا قيمته 15.1 مليار دولار! لا أستطيع الفصل..

وأرجو أن تلاحظ أن الخبر يقول إن واشنطن هي التي تعرض٬ بما يعني أن الرياض لم تبادر وتطلب! ثم أرجو أن تلاحظ أيًضا أن قيمة الصفقة كبيرة٬ وأنها بالتالي تستأهل٬ وأن أصحابها سوف يبذلون أي جهد لإتمامها بأي ثمن وبأي طريقة!

فهل المقصود أن تبدي السلطات السعودية استعدادا لإتمام الصفقة٬ في الفترة من هنا إلى نوفمبر٬ فيمارس أوباما حقه في الفيتو وهو ما حدث بالفعل يوم الجمعة الماضي٬ ولا يعترض الكونغرس على ذلك٬ وينتهي الموضوع بعد أن تدخل 15.1 مليار الخزانة الأميركية٬ أو خزانة الشركات المنتجة للسلاح.. لا فرق؟!

أظن أن هذا هو المقصود٬ وأظن أن المعنيين بالشأن في المملكة سوف يتعاملون مع الإدارة الأميركية من الآن إلى أن يمارس الرئيس حقه إياه٬ ولسان حالهم يقول إن الولايات المتحدة يجب أن تكون أرقى من ذلك وهي تتعامل مع الدول التي تقول عنها دائما إنها حليفة أو صديقة٬ وإن أقل ما يوصف به الأسلوب الذي تعتمده حالًيا في معاملاتها أنه أسلوب رخيص!.. وإن أجواء «جاستا» وظروفه وملابساته٬ هي أبلغ دليل!

الشرق الأوسط

هذا المقال يعبر عن رأي الكاتب ولا يعكس بالضرورة وجهة نظر شبكة إرم نيوز

الأكثر قراءة

No stories found.


logo
إرم نيوز
www.eremnews.com