«خان» القاهرة الذي لا نجده!
«خان» القاهرة الذي لا نجده!«خان» القاهرة الذي لا نجده!

«خان» القاهرة الذي لا نجده!

سليمان جودة

كنت فى لندن، صباح أمس، رأيت عن قرب كيف أن العاصمة البريطانية لاتزال مشغولة بالعمدة الجديد الذى جرى انتخابه لها الخميس قبل الماضى!

العمدة اسمه صديق خان، وقد فاز فى مواجهة مرشح آخر كان يهودياً، ومن اسم «صديق خان» تفهم أنه باكستانى الأصل، ولكن ليس هذا هو سبب الانشغال بفوزه طبعاً، فالسبب كما يعرف الذين تابعوا القصة من أولها أنه أول مسلم يجلس على كرسى العُمدية فى عاصمة بريطانيا!

ومن الطبيعى أن يدور هذا الجدل الضخم فى لندن، وخارجها، فى وقت يكاد يكون فيه كل مسلم متهماً إلى أن يثبت العكس.. ولابد أن يخضع المزاج العام للناخب اللندنى للتحليل الدقيق، والطويل، لنتعرف على السبب الحقيقى الذى جعله يفضل «خان» فى مواجهة مرشح آخر، كان هو الأقرب للفوز بالمنصب، وفق غالبية استطلاعات الرأى!

والغريب، أنه فى الوقت ذاته الذى فاز فيه «خان» بمنصبه، انتخب برلمان ولاية فورتمبرج الألمانية امرأة مسلمة رئيسة له، وهو فوز حظى بجدل يكاد يكون مماثلاً لجدل فوز العمدة الإنجليزى، فالولاية التى تقع جنوب ألمانيا تعيش فيها أغلبية كاثوليكية، ومع ذلك، اختار الناخبون امرأة مسلمة!

وربما نستيقظ غداً على انتخاب مسلم آخر، لأى موقع ثالث، أوروبى أو أمريكى، فيبدو الأمر عندئذ وكأنه نوع من العدوى التى تنتشر أحياناً هنا، أو هناك، دون سبب مفهوم!

تماماً كحريق العتبة، الذى جاء بعده حريق الحسين، ومن بعدهما حريق مبنى محافظة القاهرة، ومن بعد الثلاثة حرائق أخرى فى مواقع متفرقة، وكأنها على موعد فى العاصمة سيئة الحظ معنا!

وقد كنت أتابع، منذ البداية، حكاية صديق خان فى عاصمته، ثم أرى بعينى، ويرى غيرى، أن قاهرتنا الحزينة على ما ضاع فى حرائقها لاتزال بلا عمدة، منذ شهرين أو يزيد، إذا افترضنا أن محافظها هو فى موقع العمدة فيها!

ولابد أن الحرائق التى أفزعت الناس على عاصمتهم قد لفتت انتباه مسؤولينا فى البلد إلى أن القاهرة بلا محافظ، منذ أن غادرها الدكتور جلال السعيد، إلى وزارة النقل.. ثم لابد أنه شىء محزن، لأقصى حد، أن تسقط القاهرة من دائرة اهتمام المسؤولين عن صناعة القرار إلى هذا الحد.. حد أن يتساوى فى أعينهم وجود محافظ فيها مع عدم وجوده.. ثم حد أن يهون شأن القاهرة إلى هذه الدرجة التى تظل معها السلطة الحاكمة شهرين تبحث عن شخص فى 90 مليون بنى آدم، يصلح لأن ينقذ القاهرة من واقعها البائس، ومن حاضرها التعيس، فلا تقع على أحد.. أى أحد!

وعندما تكون فى لندن مثلى، ثم لا تستطيع أن تمنع نفسك من المقارنة بين حالها هناك، وبين حال عاصمتنا هنا، ولا تأتى المقارنة لصالحنا حتى على مستوى مجرد وجود شخص مسؤول عن القاهرة، فالإحساس الطبيعى الذى سوف يراودك هو أن لندن إذا كان لها صاحب، جرى اختياره انتخاباً، ليعتنى بشأنها، فقاهرتنا بلا صاحب، ولا تمثل أى اهتمام لدى الذين أخذوا محافظها إلى الوزارة، وتركوها تواجه مصائرها وحرائقها وحدها، فيزداد بؤسها، وتتضاعف تعاستها، وتعاسة المقيمين فيها بالتالى!

نحن لا نستحق القاهرة.. ولو حدث وأنطقها الله، ثم خيَّروها، لاختارت قوماً غيرنا قطعاً، يقيمون فى أرجائها، ويقدِّرون وزنها!

هذا المقال يعبر عن رأي الكاتب ولا يعكس بالضرورة وجهة نظر شبكة إرم نيوز

الأكثر قراءة

No stories found.


logo
إرم نيوز
www.eremnews.com