أردوغان متحرّراً من أوغلو.. والعكس صحيح
أردوغان متحرّراً من أوغلو.. والعكس صحيحأردوغان متحرّراً من أوغلو.. والعكس صحيح

أردوغان متحرّراً من أوغلو.. والعكس صحيح

عبد الوهاب بدرخان

لا مفاجأة في أنقرة، وبمعزل عن طريقة الإخراج كانت مغادرة رئيس الوزراء متوقعة في أي وقت، ولعلها تأخّرت بعض الشيء، سواء بالإقالة/ الاستقالة، أو بما اعتبرته المعارضة «انقلاب القصر». لم يكن أحمد داود أوغلو يجهل طريقة رجب طيب أردوغان في العمل، فقد أمضى خمسة أعوام وزيراً للخارجية في حكومته قبل أن يصبح رئيساً للوزراء وللحزب الحاكم تحت رئاسته. الفارق بين أوغلو وأي مرشح لخلافته قريباً أن لديه شخصيته واقتناعاته، ثم إنه لم يأتِ من صفوف «حزب العدالة والتنمية»، بل كان من القريبين الذين عُهد إليهم بمهمات ووجد الحزب أن لديه مصلحة في الاعتماد على وجه مقبول حتى لو لم يكن حزبياً. ولا يعني ذلك أنه كان معارضاً للخطوط العريضة لسياسات أردوغان، لكنه بالتأكيد لا يحبذ أسلوب رئيسه. والمؤكّد أنه لم يتقبّل فكرة جعله رئيس وزراء دمية يحركها الرئيس من وراء ظهره.

من المتفق عليه أن أردوغان اختار أوغلو من بين مرشحين آخرين لرئاسة الوزراء، بعدما تفاهم معه على جملة توجّهات، بينها وأهمها اثنان: موافقته على التحوّل من النظام البرلماني إلى الرئاسي، واستعداده لاستكمال الحملة على ما يسمّى «الكيان الموازي»، أي جماعة «فتح الله غولين» المتغلغلة في «الدولة العميقة». وبالنسبة إلى هذا الملف الأخير، اتخذ أوغلو مواقف علنية واضحة، لكنه ترك الأمر للأجهزة المكلفة بمطاردة «الغولينيين»، غير أن اتساع الحملة على الصحافة، وكذلك على الأكاديميين، بسوقهم إلى المحاكم وبتهم متصاعدة بلغت التخوين أو التجسس لمصلحة الحزب الكردستاني.

وفي منصبه الجديد، في إدارة الحكومة والحزب، تعرّف أوغلو أكثر إلى موقف المجتمع من استحقاق «النظام الرئاسي»، وأدرك أنه قد يتسبّب في انقسام كبير في البلاد، لذلك لم يضعه في أولوياته. معلوم أن هذا الاستحقاق طُرح أولاً في سياق التخطيط لتحالف مع الأكراد، وعندما كان أردوغان مندفعاً بقوّة وبسرعة إلى إنجاز «عملية السلام» معهم، وكان أوغلو من مؤيدي هذه العملية التي لمس خلال وجوده في الخارجية مدى إلحاح القوى الدولية، خصوصاً الأوروبية، على ضرورة إيجاد حلّ تاريخي لهذه المعضلة الداخلية. لكن هذه «العملية» تعرقلت ثم توقفت لأسباب كثيرة لا يتحمل أردوغان كامل مسؤوليتها، إلا أنه ارتكب خطأ إعلان توقفها ثم موتها، كردٍّ على ما اعتبره خذلاناً من الأكراد الذين طرأ تغيير على حساباتهم، إذ رأوا ربط قضيتهم بالنزاع السوري وراحوا يستمعون أكثر إلى «نصائح» إيرانية تحضّهم على عدم التخلّي عن خيارهم العسكري، وعلى مواجهة السياسة الإقليمية لتركيا. وعندما أراد أوغلو أن يحاول إحياء «عملية السلام» كانت العمليات العسكرية لـ«حزب العمال الكردستاني» قد استؤنفت. ورغم أن أردوغان لا ينفرد بـ«الهجس» بالنظام الرئاسي، فقد سبقه إليه تورغوت أوزال (89- 1993) وسليمان ديميريل (93- 2000) ونجدت سيزير (حتى 2007)، إلا أن شخصية الرئيس الحالي جعلت من هذا الهدف الذي يراه كثيرون مشروعاً أمراً خطيراً وإشكالياً، فأقل ما يقال إنه سيشرّع لاستبداد رجل يتصرّف حتى في ظل الدستور الحالي بكثير من التفرّد والانفعال.

حُمّل أوغلو مسؤولية عدم حصول الحزب الحاكم على الغالبية المريحة في انتخابات يونيو 2013 لأنه أشرف على اختيار المرشّحين، فيما نُسب الاكتساح في انتخابات نوفمبر إلى أردوغان الذي تدخّل في الترشيحات، ثم راح يمعن في التدخّل رغم أن منصبه يلزمه دستورياً بالابتعاد عن حزبه، وعندما انتزعت اللجنة المركزية للحزب من رئيسه أوغلو إمكان اختيار مسؤولي الحزب في الأقاليم كان ذلك بمثابة رسالة واضحة من الرئيس بأن ساعة الرحيل قد أزفت.

عودة أوغلو إلى مهنته السابقة كأستاذ جامعي قد تكون قصيرة، فهناك مَن يتوقع أن يؤسس حزباً جديداً ولا يستبعد أن يضم وجوهاً من «الكيان الموازي»، أو مَن يرشّحه للتعاون مع القطب الآخر في «العدالة والتنمية» عبدالله غلّ في حركة تصحيحية داخل الحزب، لكن الاثنين يعانيان من شعبية أردوغان، وهي على تناقض صارخ مع شخصيتيهما. في المقابل، هناك مَن يرجّح أن يُستخدم التغيير المرتقَب كوسيلة لتبرير إعادة النظر في توجّهات إقليمية كان أردوغان يتحيّن الفرصة لتعديلها، وها هي تسنح مع انسحاب أوغلو.

هذا المقال يعبر عن رأي الكاتب ولا يعكس بالضرورة وجهة نظر شبكة إرم نيوز

الأكثر قراءة

No stories found.


logo
إرم نيوز
www.eremnews.com