التفسير المادي للإرهاب
التفسير المادي للإرهابالتفسير المادي للإرهاب

التفسير المادي للإرهاب

عبد الحميد الأنصاري

لا ثقة لي في معظم الاستطلاعات التي تجريها مراكز الأبحاث الغربية والأميركية في المجتمعات العربية، ولا في تحليلات معظم المحللين الغربيين حول تشخيص الظاهرة الإرهابية التي تعاني منها المجتمعات العربية والغربية معاً، فمعظم هذه التحليلات والاستطلاعات تركز على غياب الحريات أو على الفقر والبطالة والفساد وافتقاد العدالة الاجتماعية في توزيع الثروات الوطنية.. كأسباب للظاهرة الإرهابية. وهذا خطأ معرفي ومنهجي؛ فلم يكن غياب الحريات أو الفقر أو اختلال العدالة الاجتماعية في يوم من الأيام، علة للإرهاب. شعوب كثيرة تعيش أوضاعاً مزرية وتحت خط الفقر وتعاني قمعاً واستبداداً، ولم تنتج إرهابيين مفجرين كما أنتجتهم شعوب ومجتمعات تعيش أوضاعاً اقتصادية مريحة وتنعم بأجواء الحرية والديمقراطية ونعم العدالة الاجتماعية.

في تصوري أن هذه التحليلات الغربية للظاهرة الإرهابية، منطلقها الأساسي نظرية (التفسير المادي) للتاريخ، حيث يركز أصحاب هذه التحليلات على «العامل الاقتصادي» محركاً وحيداً للسلوك الإنساني، بحسب الفلسفة الجدلية الماركسية التي لا تؤمن بالدوافع والمحركات الأخرى غير المادية، مثل: الثقافة، التربية، التعليم، الدين، القومية، المذهب، القبلية، الطموح الشخصي، الشهرة، وغيرها من الدوافع الأخرى النفسية والمعنوية التي تحرك السلوك الإنساني، والتي هي في نظر الفلسفة المادية الجدلية (بناء فوقي) منبثق من بنية تحتية مادية! ومن هنا خطأ التشخيص.

يتجاهل هؤلاء دور الثقافة والمفاهيم الدينية والتربوية والبيئة الحاضنة في توجيه السلوك. فالعنف ثقافة لها جذور ممتدة في تراثنا، وكراهية الآخر موروث ثقافي بعيد الأغوار، والتطرف العنيف تاريخ ممتد إلى أيام الخوارج الذين سلوا سيوفهم على «المجتمع الراشدي» الذي يُعدّ المجتمع النموذجي للإسلام! لم يخرجوا من إملاق أو عوز أو غياب حرية وعدالة! وجهيمان وجماعته لم يحتلوا الحرم الشريف لأنهم ظلموا! و«الإخوان» جند الملك عبدالعزيز، لم يتمردوا بسبب مظلمة أو ضائقة مادية!

عقلية التطرف العنيف هي التي دفعت الشاعر الجاهلي للافتخار بأن قبيلته تَرِدُ الماء صفواً والقبائل الأخرى ترده طيناً وكدراً! ما ضره لو تسامح وتركه صفواً للآخرين يشربون كما شرب؟! الإنسان العربي، ابن ثقافته، وكل إنسان كذلك، يتبرمج نفسياً وفكرياً، ويتشرب تلقائياً، بحسب نظرية المفكر السعودي إبراهيم البليهي، الموروث الثقافي المحيط، والذي له سطوته على نفوسنا وعقولنا ولا وعينا، وجزء كبير منه «تعصّبي» للقوم وللقبيلة وللطائفة وللمذهب وللدين وللجنس الذكوري والتقاليد، يجسده مفهوم «الفَزْعة» التي تعني النُصرة حقاً أو باطلاً، بحسب المقولة: «إذا غضب، غضبت له ألف سيف، لا يسألونه فيمَ غضب»!

اندفاعة حماسية لا عقلانية، جاء رسولنا عليه الصلاة والسلام، لتهذيبها وترشيدها، فقال: «انصر أخاك ظالماً أو مظلوماً»، قالوا: كيف ننصره ظالماً؟ قال: «تأخذوا على يديه وتمنعوه من الظلم».

كما أن جزءاً آخر من التراث، فيه غلو كبير في حب السلطة والتسلط طبقاً لـ«ونحن أناس لا توسط بيننا، لنا الصدر دون العالمين أو القبر»، و«يا حبذا الإمارة ولو على الحجارة».. هذا الغلو، هو الذي عوّق الفكر العربي على امتداد تاريخه إلى يومنا هذا عن حل مشكلة السلطة والوصول إلى صيغة تفاهمية سلمية لانتقال الحكم كما فعل الغرب الذي توصل إلى الديمقراطية.

ولا يعني ذلك، إنكار الجوانب الإيجابية المشرقة في تراثنا وثقافتنا والتي هي كثقافات الشعوب الأخرى، فيها ما يُحمد وما لا يُحمد، لكن الآخرين نجحوا وتجاوزوا السلبي في تراثهم ولم ننجح بعد. الثقافة الغربية أنتجت إرهابيين أمثال هتلر، موسوليني، وستالين، كراديتش، وغيرهم ممن أبادوا ملايين البشر، لكن الغرب تجاوز كل ذلك.

والسؤال هنا لأصحاب التفسير المادي للإرهاب: هل أولئك الإرهابيون الذين أبادوا الملايين في الغرب، هم إنتاج مجتمعات فقيرة؟!

هذا المقال يعبر عن رأي الكاتب ولا يعكس بالضرورة وجهة نظر شبكة إرم نيوز

الأكثر قراءة

No stories found.


logo
إرم نيوز
www.eremnews.com