... لهذا يهمنا استفتاء اسكوتلندا
... لهذا يهمنا استفتاء اسكوتلندا... لهذا يهمنا استفتاء اسكوتلندا

... لهذا يهمنا استفتاء اسكوتلندا

كثيرون حول العالم سيتابعون اليوم استفتاء اسكوتلندا على الانفصال عن المملكة المتحدة أو البقاء ضمن الاتحاد الذي يضمها مع إنجلترا وويلز وآيرلندا الشمالية. فنتيجة الاستفتاء إذا جاءت لصالح انفصال اسكوتلندا بعد أكثر من 300 عام من الاتحاد، ستكون زلزالا سياسيا لن يهز هذه المملكة فحسب، بل ستشمل هزاته الارتدادية دولا كثيرة في أوروبا وخارجها. العالم العربي وإن بدا بعيدا عن استفتاء في أقصى الجزر البريطانية، إلا أنه لن يكون بمنأى عن التأثيرات والدروس، ليس فقط بسبب مصالح اقتصادية واستثمارية هائلة تربطه بما يحدث في بريطانيا، بل أيضا لأن هناك من ينظرون إلى استفتاء اسكوتلندا متحسرين على أوضاعهم أو مؤملين أن تسنح لهم فرصة للانسلاخ.

اسكوتلندا وإن كانت هناك حروب وعداءات قديمة بينها وبين إنجلترا، إلا أنها لا تصوت اليوم بسبب «ظلم تاريخي» أو لأن غالبية سكانها لديهم شكاوى قوية وحقيقية من التمييز والتهميش. صحيح أن دعاة الاستقلال يلعبون على النزعة القومية، لكن الجدل الحقيقي حول الانفصال أو البقاء ضمن المملكة المتحدة، تمحور بالأساس حول الاقتصاد. فالاسكوتلنديون يتمتعون بحكم محلي منذ عام 1997 عندما سنت حكومة توني بلير، وهو اسكوتلندي بالميلاد، قوانين منح الحكم المحلي للأقاليم، كما أنهم تمتعوا بوجود فاعل في الحياة الثقافية والسياسية والرياضية والاقتصادية لبريطانيا. وهناك سبعة رؤساء وزراء في تاريخ بريطانيا من مواليد اسكوتلندا من بينهم آرثر بلفور الذي لن ينسى العرب اسمه الذي اقترن بوعد بلفور عندما كان وزيرا للخارجية. وإضافة إلى وجود 129 نائبا في برلمان اسكوتلندا المحلي، هناك 59 مقعدا مخصصا لاسكوتلندا في البرلمان البريطاني في ويستمينستر. هذا الكلام لا يمكن أن يقال عن كثير من الدول التي تعاني من مشكلات مع قوميات أو أقليات إثنية أو دينية داخلها، ومن هنا فإن عيونا كثيرة ستكون مثبتة على اسكوتلندا لمعرفة كيف ستصوت اليوم.

داخل المملكة المتحدة هناك من يشعر بالقلق من أن تصويت اسكوتلندا لصالح الاستقلال سيشجع حتما القوميين في ويلز، والجمهوريين في آيرلندا الشمالية ليرفعوا مطالب وحجج الانفصال. مخاوف تداعي الاتحاد هي التي جعلت زعماء الأحزاب البريطانية الثلاثة الكبرى (المحافظون والعمال والديمقراطيون الأحرار) يوقعون تعهدا مشتركا قبل ثلاثة أيام فقط من الاستفتاء بمنح اسكوتلندا صلاحيات أكبر في الحكم المحلي إذا بقيت ضمن الاتحاد. الوعود امتزجت كذلك بتحذيرات من الثمن الباهظ للانفصال الذي وصفه رئيس الوزراء البريطاني ديفيد كاميرون بأنه سيكون «طلاقا مؤلما»، مناشدا الاسكوتلنديين ألا يهدموا «أنجح وأطول اتحاد في التاريخ».

أوروبا أيضا تشعر بالقلق من تداعيات استقلال اسكوتلندا لأن ذلك سيدعم مطالب الداعين للانفصال سواء في إسبانيا حيث ينشط دعاة الاستقلال في كاتالونيا والباسك، أو في فرنسا وسويسرا ودول أخرى توجد فيها أقاليم وقوميات قد تجد تشجيعا من الحالة الاسكوتلندية. فأوروبا تعرف معنى التشطير والحروب القومية والدينية، لذلك جعلت الاقتصاد والمصالح عوامل لتوحيدها، وإن كانت السياسة تتدخل أحيانا مثيرة الخلافات والشكوك.

اسكوتلندا إذا استقلت ستواجه رغم وعود القوميين مشكلات اقتصادية كبيرة، لكن التأثيرات ستمتد إلى بقية الاتحاد أيضا. فالمملكة المتحدة ستفقد 8 في المائة من سكانها، و32 في المائة من مساحتها، و10 في المائة من إجمالي الناتج القومي، وستمر بفترة ترتيبات صعبة للانفصال قد تنعكس سلبا على تعافيها الاقتصادي من آثار الأزمة المالية العالمية التي ضربت عام 2008 أهم قطاع للاقتصاد البريطاني، وهو القطاع المالي المتمثل في المصارف وشركات التأمين وسوق المال. صحيح أن هناك إجماعا على أن بريطانيا أو ما تبقى منها ستظل ضمن أكبر الاقتصاديات العالمية، لكن نفوذها سيتراجع. فاستقلال اسكوتلندا ستكون له أيضا تأثيرات هائلة على قدرات بريطانيا العسكرية، لأنه سيؤدي إلى تقسيم الجيش ومطالبة اسكوتلندا بحصة من الموارد العسكرية. هناك توقعات بأن اسكوتلندا ستطالب بنصف القدرات الجوية للمملكة المتحدة، و10 في المائة من الأسطول البحري، و8 في المائة من قدرات ومعدات القوات البرية. كما أن إصرار القوميين الاسكوتلنديين على إخلاء بلدهم من أي أسلحة نووية سيعني سحب الغواصات والصواريخ النووية البريطانية وإعادة تمركزها في قواعد جديدة مما سيكلف وفقا لبعض الآراء نحو 8 مليارات جنيه في وقت قلصت فيه الميزانية العسكرية بسبب ضغط الإنفاق العام للدولة.

بريطانيا تحبس أنفاسها وهي تنتظر معرفة أي طريق سيختار الاسكوتلنديون، بينما كثيرون خارجها يريدون معرفة ما إذا كانت كفة المصالح والاقتصاد ولغة العقل هي الأرجح، أم أن المشاعر القومية أو الدينية أو الإثنية تبقى كامنة في انتظار من يوقظها، ولو بعد 300 عام.

(الشرق الأوسط)

الأكثر قراءة

No stories found.


logo
إرم نيوز
www.eremnews.com