تجديد الخطاب الديني
تجديد الخطاب الدينيتجديد الخطاب الديني

تجديد الخطاب الديني

رضوان السيد

ما نجحنا بعد عشر سنوات من مكافحة الخطابات الأُصولية أن نقلِّل من إقبال الشباب على الانضمام لتنظيمي «القاعدة» و«داعش»، والتنظيمات المشابهة. ويزيد هذا الأمر من اعتقاد باحثين كثيرين أنّ هذا العنف هو عِرْقٌ أصيلٌ في الإسلام! أقول هذا لأنّ المثقفين العرب المقبلين على التشخيص والأرخنة يربطون أيضاً هذا العنف الهائج بالتقاليد الموروثة حيناً، وبأصول الإسلام حيناً آخر. لقد توفّي قبل أسبوع الأستاذ علي مبروك، أحد أساتذة الفلسفة وعلم الكلام بجامعة القاهرة. وقد خصّص كل كتاباته للهجوم على الأشعرية (أو الأرثوذكسية السنية) لأنها سبب الفكر الجبري والتخلف، والأصل في كل ما نراه اليوم من عنف. وقبل شهر توفي الأستاذ جورج طرابيشي، وقد كانت كتاباته أكثر تنوعاً من «مبروك»، لكنه ختم حياته الكتابية بدراسة عن السلفية وأهل الحديث توصل فيها إلى ما توصل إليه «مبروك» بشأن الأشعرية. والواقع أن معظم كبار الكتّاب العرب مضوا في أحد هذين التيارين: القول بأنّ «القاعدة» و«داعش» وليد التقليد، أو القول بأنهما مترتبتان على فهم معين للقرآن والسنة!

إن أول شروط تجديد الخطاب الديني يكمن في فهم وتشخيص علل وأسباب الظاهرة الأصولية. ومن المسلَّم به أنه لا يمكن تجديد الخطاب عبر إزالة الدين أو اجتثاث الموروث! ثم إنه كيف يكون التقليد أو الموروث علة العنف إذا كان الجهاديون جميعاً يتنكرون للتقليد الموروث، تقليد المذاهب الفقهية والتفسير الكلاسيكي للقرآن، ويعتبرونه انحرافاً عن الدين، ويمضون مباشرة إلى الكتاب والسنة وما يرونه «سيرة الراشدين»!

لدينا مشكلةٌ في تفسير الأصوليات وتشخيص ظواهرها من جانب المثقفين العرب المعاصرين. لذلك ما أمكنهم المساعدة في إنتاج خطاب يتصدى للعنف الوحشي الثائر. لكنْ إذا كان المثقفون عاجزين عن طرح بدائل للخروج من العنف، فمن ينبغي أن تكون لهم أولوية في هذا المجال، أي علماء الدين (من المؤسسات الدينية وخارجها)، والإسلاميين المثقفين الذين يتسمون بالاعتدال ويحرصون على دينهم؟

لكن السؤال هو: لماذا رغم شدة الحملات على الإرهاب، ما أمكن صوغ خطاب قويٍّ يصرف القتلة عن القتل بسبب إجماعيته، أو على الأقلّ يحد من جاذبية خطابات القَتَلة هؤلاء على آلاف الشبان؟! قبل أيام قال «فالس»، رئيس وزراء فرنسا: المفروض أن السلفيات الجديدة أو الجهادية بين المسلمين الفرنسيين البالغ عددهم خمسة ملايين، لا يزيد عدد المؤمنين بها على الواحد في المائة. لكنهم الوحيدون الموجودون في الشارع يتحركون ويفعلون أفعالاً شنيعة!

أعتقد أنّ من أسباب التردد وعدم القدرة على إنتاج خطاب واضح: التحويلات القوية في المضامين والتي أجراها الصحويون الإحيائيون على كثير من المفاهيم، مثل الشريعة والجماعة والجهاد والدولة وعلاقة الدين بالدولة ومسألة المرجعية والعلاقات بالديانات الأُخرى وبالناس جميعاً!

والأبسط مناقشة ثلاثة مفاهيم مناقشةً أولية: الشريعة والجهاد والدولة. فعبر سبعة عقود من التأويلات والتحويلات صار الإسلام ديناً ودولة، وصار تطبيق الشريعة المهمة الأولى لتلك الدولة. وإن لم يمكن ذلك بالحسنى يكون بالقوة والجهاد. وكل هذه الأمور يقول بها الجهاديون جميعاً، لكن بعضهم أكثر تكفيراً من بعض، ومنهم من يفضّل مجاهدة العدو القريب (نحن)، ومنهم من يفضّل مجاهدة العدو البعيد!

وإذا كان هذا هو الموقف من المسلمين والعالم، فماذا تفعل الجهات التي تريد مكافحة الإرهاب، وإيقاف القتل الداخلي، والصراع مع العالم؟ إنها تقول بهذه المقولات جميعاً، لكنها ما عادت تستطيع التنازل عن: الإسلام دين ودولة، ولا عن الدعوة الوهمية لتطبيق الشريعة! وبذلك فإنّ تجديد الخطاب يظلُّ ناقصاً، أو لا تتوافر شروطه الأولية التي ذكرها أحمد بن حنبل عندما قال: المسلمون على ظاهر الإسلام، ولا نكفِّر أحداً بذنب، ونصلي وراء كل إمام، ونجاهد مع كل أمير.

إذا أردنا «حفظ الإسلام على ثوابته المستقرة وأعرافه الجامعة»، فينبغي الخروج من تحويلات المفاهيم، واستعادة الثقة بالدين وبالمجتمع. وهي جميعاً أمور يسعى أهل العنف لعكسها.

هذا المقال يعبر عن رأي الكاتب ولا يعكس بالضرورة وجهة نظر شبكة إرم نيوز

Related Stories

No stories found.
logo
إرم نيوز
www.eremnews.com