لماذا الأوراق؟
لماذا الأوراق؟لماذا الأوراق؟

لماذا الأوراق؟

سمير عطا الله

عجيب هذا المخلوق، المعروف بالإنسان. عجيب وملول. من أجل أن يدّون أفكاره أو أحداثه أو عدد أرقامه، كتب على الحجر، وعلى ورق البردى، وعلى الخشب، وعلى الرق، وبعدها اخترع الإيطاليون مصانع الورق في القرن الثاني عشر، وراح يتفنن في شكل الورق وأحجامه وألوانه.

ورق للكتابة، ورق للطباعة، ورق للصفحات، ورق مقوى للأغلفة، ورق مخطط للحسابات، ورق، ورق، ورق. وكان لا بد من حبر، فلم يترك حبًرا إلا وجربه. ولم يترك قلًما أو ريشة أو قصبة. لم يترك شيئًا إلا وطوره من أجل صناعة الكتب والرسائل والجرائد والمجلات.

وقد بدأت الكتابة بالريشة «لكي يستوي الخط ولا تلتوي اليد». ثم بقلم الحبر الذي عشقته، ثم فرض «الحبر الناشف» عصره على الجميع وبدأت بالدفاتر المسَّطرة، التي تضبط سياق الحروف. ثم بالدفاتر العادية. ثم بالورق الأبيض الذي لا بداية ولا نهاية. الأسبوع الماضي دخلت مكتبة باريسية وطلبت رزمة ورق.

تأملني البائع قليلاً ثم سألني ببراءة مذهلة: «ولماذا تريدها؟». في البدايةُصعقت، لكنني سرعان ما أدركت أنني من أواخر أهل الورق والحبر. وقلت له في إذعان: «أريدها للكتابة». وهز كتفيه وهو يمضي إلى الرفوف لإحضار الرزمة المطلوبة.

وعندما عاد، تردد قليلاً ثم سأل من جديد «كم تريد منها؟». قلت: أريدها كلها. وهذه المرة كان هو من استسلم ودفع بالرزمة وهو يتساءل في عقله: هل لا يزال هناك من يستخدم كل هذا الورق للكتابة؟ بكل أسف، نعم. سواء في القراءة أو في الكتابة، لا أزال ورقيًا حسب التعبيرات الجديدة. وما علاقتي بالحبر والأوراق إلا «جانبية».

وعندما تريد استئجار شقة على البحر في جنوب فرنسا تقرأ إعلانًا يقول «منظر البحر جانبي». وهذا يعني بكل بساطة أنك لكي ترى البحر، عليك أن تخرج إلى الشرفة وتقف على طرفها ثم تلوي رأسك إلى اليسار. البحر؟ لا. جانب منه، هو الجانب الواقع بين المبنيين اللذين يتمتع سكانهما بمنظر البحر. وأنت لك منه هذا الجانب. وهذه هي حصتي تقريبًا من العصر الذي لم يعد جديدًا ولا حديثًا. وتجنبًا للحرج، عندما تُسأل لماذا تريد رزمة الورق، قل، من أجل طباعة محاضر الشركة. لم يبق من الأفراد سواك من يحمل هذه الرزمة لنفسه.

هذا المقال يعبر عن رأي الكاتب ولا يعكس بالضرورة وجهة نظر شبكة إرم نيوز

الأكثر قراءة

No stories found.


logo
إرم نيوز
www.eremnews.com