أزمات السودان وبهلوانيات الإخوان
أزمات السودان وبهلوانيات الإخوانأزمات السودان وبهلوانيات الإخوان

أزمات السودان وبهلوانيات الإخوان

عثمان ميرغني


الوزير كرتي، وهو أيضا قيادي في الحزب الحاكم والحركة الإسلامية، حاول توجيه رسائل إلى الداخل والخارج في تصريحاته. إلى الداخل لاحتواء انتقادات متزايدة حول ما وصف بظاهرة التشيع في السودان التي جعلت بعض الجهات الدينية تطلق تهديدات بالتصدي لها، وإلى الخارج لمعالجة التوتر المتفاقم مع السعودية والإمارات. لكن إذا كانت العلاقات السياسية والعسكرية والأمنية والاقتصادية بين النظام في الخرطوم وإيران ليست جديدة، ونشاطات المراكز الإيرانية التي تقدر بأكثر من 26 مركزا ومدرسة وجمعية ومكتبة معروفة منذ سنوات، لماذا اتخذت الحكومة السودانية خطوتها الآن؟


التفسير يكمن في أن السعودية والإمارات بدأتا أخيرا في تنفيذ إجراءات اقتصادية ضد النظام السوداني، إذ أوقفت بنوك سعودية وإماراتية معاملاتها مع البنوك السودانية، كما تردد أن الإجراءات تشمل وقف استيراد المواشي من السودان والتعامل في سلع أخرى. الإجراءات كانت محدودة لكن الرسالة بدت صارمة وواضحة، وهي أن الأمور خرجت من طور الاحتجاجات في اللقاءات الثنائية، ودخلت مرحلة العقوبات والإجراءات الاقتصادية لدفع الخرطوم إلى إعادة النظر في سياساتها. من النظرة الأولى بدا أن النظام السوداني شعر بالقلق لأن الإجراءات تأتي في وقت يواجه فيه أزمة اقتصادية متفاقمة ربما تفجر الأوضاع الداخلية على غرار ما حدث في مظاهرات سبتمبر (أيلول) من العام الماضي.


المشكلة بالنسبة للنظام أن سياساته في اللعب على الحبال أفقدته المصداقية والصداقات، لذلك شكك البعض في خطوته الأخيرة وحذر من أنها قد تكون مجرد مناورة لامتصاص الغضب الخليجي خصوصا أن طهران أعلنت أنها لم تتلق إخطارا رسميا من الحكومة السودانية، كما أن الإجراء كان متعلقا بالمركز الثقافي بينما العلاقات السياسية والعسكرية والأمنية مستمرة وراسخة.


هناك مشكلة أخرى للنظام وهي أن الإجراءات السعودية - الإماراتية قد تكون طلقة تحذيرية في اتجاه آخر أيضا ناجم عن تداعيات الخلاف الخليجي مع قطر. فالتقارير المتداولة أخيرا تفيد بأن قطر تحت ضغط الدول الخليجية الأخرى لاحتواء الأزمة التي دفعت السعودية والإمارات والبحرين إلى سحب سفرائها من الدوحة، وافقت «جزئيا» على بعض المطالب التي وضعت أمامها، أحدها إبعاد عناصر الإخوان - وبالذات المصريون - من أراضيها. لكن قطر لم تذهب بعيدا في تنفيذ هذا المطلب ولم تغير كما يبدو من سياسة التحالف مع الإخوان ودعمهم، إذ دلفت إلى الاتفاق مع النظام السوداني لاستقبال عناصر الإخوان. هذه الخطوة ستؤدي إلى نقل الضغط الخليجي إلى السودان أيضا، وفي هذا الإطار يمكن قراءة الإجراءات الاقتصادية السعودية والإماراتية ضد نظام الخرطوم.


تحالفات النظام السوداني السرية والعلنية مع الحركات الإسلامية كانت سببا من أسباب توتر علاقاته الخارجية منذ تسعينات القرن الماضي، إذ أحدثت له مشكلات امتدت في أوقات مختلفة من المغرب والجزائر وتونس، إلى مصر والأردن. واليوم تسلط الأضواء من جديد على هذه التحالفات بسبب ما ذكر عن طلب قطر من السودان استقبال القيادات الإخوانية المصرية. فالسعودية والإمارات والكويت والبحرين التي انزعجت من دعم قطر للإخوان ويهمها أيضا دعم الاستقرار في مصر، لن تسكت إذا انتقلت القيادات الإخوانية إلى السودان.


ليس بعيدا عن ملف الإخوان أيضا الجدل الأخير حول الطائرة السودانية التي ورد أنها كانت تنقل أسلحة لدعم الميليشيات الإسلامية والمتطرفة التي سيطرت على طرابلس وتستعد لمهاجمة بنغازي. فعلى الرغم من نفي الخرطوم أن الأسلحة كانت متوجهة إلى الجماعات الإسلامية في طرابلس، فإن دعم النظام السوداني لإسلاميي ليبيا معروف منذ أواخر عهد العقيد الراحل معمر القذافي وأكدته قيادات النظام السوداني. وبغض النظر عن حادثة الطائرة، فإن جهات عدة ترى أن النظام السوداني وقطر وأطرافا أخرى تدعم إسلاميي ليبيا الذين إذا تمكنوا من السلطة فسوف يكمل هذا الطوق الإخواني حول مصر.


نظام «الحركة الإسلامية» في السودان سيبقى يناور للتشبث بالسلطة بأي ثمن، ولخدمة أهدافه وارتباطاته الإخوانية. لكن بهلوانياته السياسية لن تجلب على السودان سوى المزيد من المصائب والأزمات.

الأكثر قراءة

No stories found.


logo
إرم نيوز
www.eremnews.com