الحريبي: سقى غيث الحيا
الحريبي: سقى غيث الحياالحريبي: سقى غيث الحيا

الحريبي: سقى غيث الحيا

مشاري الزايدي

فقدت الكويت، بل فقد الخليج العربي كله، الفنان المثقف صالح الحريبي، أحد أوعية الغناء الأصيل في منطقتنا. الراحل كان صوتا معبرا عن تراث البحر والصحراء، وإنسان الجزيرة العربية، خير تعبير، منذ شدت حنجرته بالعذب من أشعار الفصحى والعامية. لم يكتف بألوان الكويت والأحساء ونجد، بل غنى المقام العراقي والقدود الحلبية، وغنى الفلكلور القديم، والكلاسيكيات الحديثة لمحمد عبد الوهاب وغيره. كان وجها من الزمن الكويتي الجميل، مثله مثل مصطفى أحمد وشادي الخليج وسناء الخراز وعبد الله الفضالة، وعوض الدوخي وعبد اللطيف الكويتي، وغنام الديكان، وغيرهم من صفحة الأصالة والفن الكويتي الرفيع. ميزة فنون الكويت الغنائية، هي أنها صهرت قوالب عدة في ضفيرة واحدة، فثمة ألوان من الهند واليمن والعراق، والأخير متعدد المنابع بدوره. كما فيه من غناء الصحراء والواحات النجدية، من سامري وعرضة وقصيد.

هو علامة من علامات السبعينات والستينات، ظهر في خالدة الكويت (درب الزلق) مغنيا، كما تميز بأدائه المسرحي للغناء.

اهتم بوجه خاص بشاعر نجد، بل الجزيرة العربية الفذ محمد بن لعبون، صاحب السهل الممتنع، المتوفى قبل زهاء قرنين من الزمان. كما غنى لشاعر الغزل الأول في الجزيرة العربية محسن الهزاني، الراحل هو الآخر عن مدة تقارب مدة ابن لعبون، وغنى لغيرهم من أساطين الشعر الشعبي لوسط الجزيرة العربية وشمالها.

دخل صالح الحريبي الفن وعمره 17 عاما، واستمر يبحر في مياه الإبداع، حتى رحل قبل أيام بعدما جاوز السبعين عاما.

في نفس الأسبوع، رحل عن عالمنا من السعودية رمز من رموز تاريخ الإخراج والتلفزيون وهو المخرج سعد الفريح، الذي بدأ مسيرته من تلفزيون «أرامكو»، ثم طوف في أميركا بوقت مبكر متلقيا حرفيات الإخراج التلفزيوني، وعاد لاحقا وخدم المجال الفني خدمات جلى، وظهرت على يديه الكثير من المنجزات والكثير من الأسماء اللامعة. رحل الفريح عن 77 عاما، بعد مسيرة عطرة، ونجاح شاق في زمن صعب. هؤلاء الرواد للفن في الخليج يستحقون الاهتمام.

بالمناسبة لست أدري هل يوجد في السعودية جهد يخلد تراث فنانيها الرواد، أمثال طارق عبد الحكيم وغازي علي وسراج عمر وغيرهم، رأيت بالبحرين مثلا عملا مميزا بهذا الصدد، من مظاهره صنع وزارة الثقافة لمجموعة أنيقة من التسجيلات لرموز الفن البحريني بعلبة فاخرة.. تقدير الفن وأهله علامة تحضر.

من روائع الحريبي مرثية ابن لعبون لزوجته:

سقى غيث الحيا مزن تهاما

على قبر بتلعـات الحجـازي

يعط بها البختري والخزاما

وترتع فيها طفـلات الجـوازي

هذا المقال يعبر عن رأي الكاتب ولا يعكس بالضرورة وجهة نظر شبكة إرم نيوز

الأكثر قراءة

No stories found.


logo
إرم نيوز
www.eremnews.com