الفارق بين هيلاري وأوباما...
الفارق بين هيلاري وأوباما...الفارق بين هيلاري وأوباما...

الفارق بين هيلاري وأوباما...

خير الله خير الله

ما الذي يمكن أن يتغيّر في أميركا في حال انحصرت المنافسة في الانتخابات الرئاسية المقبلة بين هيلاري كلينتون ودونالد ترامب؟ لن يتغيّر الكثير باستثناء أن المرشحة الديمقراطية ستكون قادرة على الفوز على ترامب للأسباب ذاتها التي مكّنت باراك أوباما من العودة إلى البيت الأبيض في أواخر العام 2011.

عكس فوز باراك أوباما مرّتين تغييرا عميقا داخل المجتمع الأميركي والتركيبة الداخلية للقوة العظمى الوحيدة في العالم.

يفوق هذا التغيير في أهمّيته التمديد في 2011 لرئيس تمرّ بلاده بأزمة اقتصادية عميقة لعلّ أفضل تعبير عنها نسبة البطالة التي تفوق الثمانية في المئة من اليد العاملة. نادرا ما يمدد الأميركيون ولاية رئيس حين تكون نسبة البطالة في هذا المستوى. حصل ذلك مرّة واحدة في الماضي، حتى أن رئيسا استثنائيا مثل جورج بوش الأب فشل في العام 1992 في الحصول على ولاية ثانية بسبب الاقتصاد…

يعكس عمق التغيير الذي طرأ على الخارطة الانتخابية الأميركية أنّه كان هناك في مواجهة أوباما مرشح جمهوري اسمه ميت رومني. خسر رومني على الرغم من حصوله على نسبة تسعة وخمسين في المئة من أصوات الناخبين البيض. في الماضي، كانت هذه النسبة أكثر من كافية لفوز أي مرشح بالرئاسة، ذلك أن البيض ما زالوا يشكلون نسبة اثنتين وسبعين في المئة من السكّان.

لكنّ الجديد في الأمر، أنّ هناك قوى صارت تُقبل على التصويت عن طريق تسجيل نفسها في القوائم الانتخابية. كانت هذه الطريقة التي يستخدمها في الماضي اليهود الأميركيون كي يثبتوا وجودهم كقوة انتخابية قادرة على لعب دور في الولايات المتأرجحة. بفضل أصوات السود والمتحدثين بالأسبانية والنساء والشباب، استطاع أوباما حسم كلّ هذه الولايات لمصلحته.

برزت قوى جديدة في أميركا. صار هناك إقبال على التصويت من السود. نسبة الذين صوتوا لمصلحة أوباما بين السود بلغت ثلاثة وتسعين في المئة، وبين الذين يتكلمون الأسبانية، أي الآتين من دول أميركا اللاتينية وكوبا واحدا وسبعين في المئة، وبين ذوي الأصول الآسيوية ثلاثة وسبعين في المئة. هؤلاء سيصوتون بالنسبة نفسها تقريبا، تقريبا، لهيلاري كلينتون.

كانت نسبة النساء التي صوتت لمصلحة أوباما، خمسة وخمسين في المئة. ليس مستبعدا أن تزيد هذه النسبة في حال كانت هيلاري المرشحة الديمقراطية. ما لا يمكن تجاهله أيضا أن نسبة اليهود الذين صوتوا لمصلحة المرشح الديمقراطي كانت نحو سبعين في المئة. وهذا يعني أن أكثرية اليهود في أميركا من الليبراليين الذين لا يريدون مزيدا من الحروب ويرفضون السياسات المتزمتة لليمين الأميركي.

منذ انتهاء الحرب الباردة، أي منذ انتصار اقتصاد السوق على ما يسمّى الاقتصاد الموجه ونظام الحزب الواحد الأوحد، بدأت أميركا تتغيّر من الداخل. صحيح أنها لا تزال القوة العظمى الوحيدة في العالم بسبب ما تملكه من أسلحة وجيوش وتقدم تكنولوجي، وبسبب قدراتها الاقتصادية الضخمة، لكنّ الصحيح أيضا أن للديمقراطية ثمنا. وهذا الثمن هو السماح بنشوء قوى جديدة في داخل البلد. لا يمكن تجاهل هذه القوى ما دام كلّ مواطن أميركي، بغض النظر عن أصوله ولونه وعرقه وموقعه الاجتماعي وثروته وميوله الجنسية، يمتلك حق التصويت. هذا واقع لا يمكن تجاهله عندما يتعلّق الأمر بتطبيق النظام الديمقراطي القائم على أنّ لكل مواطن الحق في الإدلاء بصوته. يتساوى الفقير والغني والأسود والأبيض والرجل والمرأة…

أكثرية الذين يحق لهم التصويت اختاروا إعطاء ولاية جديدة لأوباما معتبرين أنه مارس سياسة خارجية حذرة حازت على إعجابهم، فيما عمل في الداخل على استرضاء القوى الحية في المجتمع، خصوصا الذين يتكلّمون الأسبانية. هؤلاء صاروا قوة لا يستهان بها، وقد مكّنوا المرشح الديمقراطي من الفوز، وإن بفارق ضئيل، في ولاية فلوريدا التي حسمت فيها المعركة بين بوش الابن وآل غور في السنة 2000 لمصلحة المرشّح الجمهوري.

تغيّر أوباما أم لم يتغيّر، لا بدّ من التعاطي مع أميركا مختلفة فيها أكثرية تعارض أي حروب جديدة، خلافا لما تريده إسرائيل. ولذلك لم يوجه أوباما ضربة إلى إيران بعدما التزمت حدودا معيّنة في ما يخص برنامجها النووي. قبلت إيران، في نهاية المطاف، التوقيع على اتفاق في شأن ملفّها النووي مستفيدة من كون المستشارين الأساسيين للرئيس الأميركي الأسود إيرانيي الهوى من جهة، ولا يرتاحون إلى العرب من جهة أخرى.

راهن الأميركيون على أن أوباما سيريحهم من كابوس أفغانستان مثلما أراحهم من كابوس العراق، ولو كان ذلك على حساب العراقيين، كما لن يتدخل عسكريا في سوريا، ما دام النظام سقط وكلّ ما يستطيع عمله هو متابعة التفرّج على قتل السوريين. أين المشكلة في ذلك بالنسبة إلى الناخب الأميركي؟

أساء أوباما إلى العرب بشكل عام بعدما فضّل تأجيل التعاطي المباشر مع مشاكل المنطقة، بما في ذلك سوريا والمشكلة الكبرى الأخرى التي اسمها اليمن. لا شكّ أن مشكلتيْ سوريا واليمن ستتفاعلان في عهد الرئيس الجديد، وستكونان قنبلتين موقوتتين لهيلاري كلينتون التي لا يمكن أن تسمح لنفسها بالاستسلام لإيران وروسيا كما فعل سلفها.

كان يفترض في كلّ من يسعى إلى فهم إدارة أوباما أن لا تغيب عن باله عبارة وردت في خطاب ألقاه الرئيس مباشرة بعد انتصاره. تحدّث الرئيس الأميركي عن “التحرر من التبعية للنفط المستورد”. كان ذلك يعني إعطاء الأولوية للداخل الأميركي. كان ذلك، في ما يبدو، طموح الأميركيين في السنة 2012، علما أنه كان عليهم أن لا ينسوا أنّهم إذا لم يذهبوا إلى الشرق الأوسط، فإنّ الشرق الأوسط سيأتي إليهم. حصل ذلك في الماضي القريب. هناك إدارات أرادت أخذ مسافة من الشرق الأوسط ومشاكله، هذا ما فعله أوباما الذي اختزل كل مشاكل المنطقة في الملفّ النووي الإيراني.

كان باراك أوباما تعبيرا عن صعود قوى جديدة في الولايات المتحدة. إذا لم تحصل مفاجأة تجبر هيلاري كلينتون على الانسحاب، ستكون الرئيس المقبل للولايات المتحدة. سيساعدها في ذلك أن الشخص الوحيد الذي كان يستطيع المنافسة الجدية هو الجمهوري جيب بوش الذي خرج من السباق الرئاسي باكرا.

من حسنات هيلاري، مقارنة بأوباما، أنّها تعرف الشرق الأوسط. تعرف خصوصا أن في استطاعة واشنطن دي. سي الابتعاد عنه، وأنّه إذا لم تأت أميركا إليه، بغض النظر عن مدى تحرّرها من نفطه، لن يكون بعيدا اليوم الذي سيطرق باب البيت الأبيض. سيطرقه من بوابة الإرهاب هذه المرّة وليس من بوابة النفط. والإرهاب ليس مقتصرا على “داعش” فحسب، بل هو أيضا خليط من المنظمات السنّية والشيعية، لا تبدو إيران التي سعى أوباما إلى استرضائها بعيدة عنها.

هذا المقال يعبر عن رأي الكاتب ولا يعكس بالضرورة وجهة نظر شبكة إرم نيوز

الأكثر قراءة

No stories found.


logo
إرم نيوز
www.eremnews.com