الغرب و«التطبيع» مع متشدّدي إيران عبر «الإصلاحيين»
الغرب و«التطبيع» مع متشدّدي إيران عبر «الإصلاحيين»الغرب و«التطبيع» مع متشدّدي إيران عبر «الإصلاحيين»

الغرب و«التطبيع» مع متشدّدي إيران عبر «الإصلاحيين»

عبد الوهاب بدرخان

لم يعتقد أحد يوماً أن العقوبات المفروضة على إيران ستستمر إلى ما لا نهاية، بل ما كان لعاقل أن يتمنى ذلك أياً تكن الأسباب والمبرّرات. كان البرنامج النووي الإيراني يشكّل خطراً واقعياً على دول الخليج العربية، وبالتالي تهديداً استغلّته إسرائيل إقليمياً ودولياً لابتزاز الولايات المتحدة، فكان لا بدّ من كبح هذا البرنامج وتقنينه بموافقة طهران وتعاونها، ولما لم تجد الدول الكبرى (الصديقة وغير الصديقة لإيران) مثل هذا التعاون قررت أن تضغط عليها بعقوبات وعزلة متصاعدتين، إلى أن فاوضت ووقعت اتفاقاً يُفترض أن يحدّ من طموحاتها النووية إلى حين. بناءً على ذلك، فإن النتيجة الطبيعية للاتفاق أن يبدأ رفع العقوبات وفك العزلة اللتين عرّضتا الشعب الإيراني لأضرار كبيرة في حياته واقتصاده ومعيشته. وتلك حقيقة لم تنجح المظاهر «الانتصارية» التي يفتعلها نظام طهران في إخفائها.

بالطبع كان لا بدّ للقوى الكبرى أن تلتفت أيضاً إلى الأزمات التي افتعلتها إيران في سياق الأزمة النووية. غير أن تلك القوى تجاهلت مسؤولياتها عن السلام والاستقرار الدوليين، فتركت إيران تتدخل في شؤون دول عربية عابثة بأمنها وتعايش مكوّناتها الاجتماعية، وتستخدم ميليشياتها لتأجيج حروب أهلية واختراق الجيوش وتعريض الدول لمخاطر التفكيك والتقسيم. وفوق ذلك غضّت القوى الدولية النظر عن رعاية إيرانية مباشرة وغير مباشرة للإرهاب وتنظيماته... فهذه كانت من تداعيات التفاوض والسعي إلى الاتفاق النووي، وإذا كان الشعب الإيراني دفع ثمناً باهظاً بسبب العقوبات. فإن شعوباً عربية عدة، لا سيما السوريين والعراقيين واليمنيين واللبنانيين، دفعت أثماناً مضاعفة بسبب سياسات إيران.

فور توقيع الاتفاق النووي كانت النتيجة المباشرة التي لفت إليها المعنيون به أنه سيفتح الأبواب لـ «التطبيع» الإيراني مع الغرب، أما «المشاركة في حل أزمات المنطقة» فجاءت في موقع ثانوي في تمنيات باراك أوباما وسواه من الرؤساء والقادة. لم يفكّر أي منهم في أن الكوارث التي حصلت جرّاء قنبلة نووية غير موجودة كانت أكثر هولاً مما لو كانت متوفّرة فعلاً. وها هو قطار التطبيع قد انطلق، إذ قصد حسن روحاني إيطاليا وفرنسا متسوّقاً طائرات وقطارات وسيارات وماكينات وخدمات، مروّجاً لـ «البلد الأكثر استقراراً وأمناً» في منطقة ساهمت إيران في إشعال كل حرائقها. بالطبع لم يعتقد أحد أن الدول الغربية ستبقى إلى الأبد في قطيعة مع إيران، فاستعادة العلاقات من البديهيات، ولم يكن العرب بل كان الغربيون أنفسهم مَن قرروا منذ بداية الخلافات مع إيران أنها يجب أن تتغيّر لتستقيم العلاقة معها. وإذا كان الفصل بين التجارة والسياسة مفهوماً فإن طهران تباشر التطبيع متيقنة أن الغرب مستعدٌ لإخضاع السياسة كليّاً للتجارة، طالما أن مصالحه تلتقي مع احتياجات إيران.

كانت روما وباريس الخروج الأول لروحاني بعد رفع العقوبات، وبالتالي كانتا مهمّتين للتعرّف أكثر إلى «إصلاحيته» معنىً ومغزىً ومصطلحات. عملياً لم يحد روحاني مليمتراً واحداً عن الخط المتشدد في أي موقف أدلى به عن السعودية أو دول الخليج عموماً، ليس فقط في رفض الاعتذار عن إحراق السفارة «لأنه لا يندرج في إطار الدبلوماسية» (!) وانما في تفهمه أن الحادث نفسه كان ردّ فعل على إعدام نمر النمر بل كذلك في تبنيه رواية أن مشاغبين اقتحموا السفارة و«هم الآن في السجن» وتجهيله حقيقة أن طرفاً أمنياً (رسمياً) دبّر الهجوم وأشرف عليه. والأهم أنه انطلق في تبرير عدم الاعتذار بفتح ملفات أخرى تريد فيها إيران اعتذارات، ومنها مثلاً حادث التدافع في الحج وكأنه مفتعل، أو الحرب في اليمن، أو ما وصفه روحاني بـ «مساعدة الإرهابيين في المنطقة».

ورقة الإرهاب واتهام الآخرين به تغطية للدور الإيراني هي أولاً وأخيراً من «بضاعة» بروباجندا المحافظين و«الحرس الثوري»، وقد عوّلوا فيها دائماً على سكوت الولايات المتحدة والغرب وتغاضيهما ليس فقط عن العلاقة المستمرّة بين طهران وتنظيم «القاعدة» منذ هروب مئات من عناصره من أفغانستان. ليس معروفاً إلى متى سيستمر هذا السكوت الغربي، لكن الأكيد أنه شجّع روحاني على طلب تعاون استخباري فرنسي لمواجهة «التعصّب والإرهاب والتطرّف». وسواء كانت باريس متحمسة لمثل هذا التعاون أم لا، فإنها اكتشفت لتوّها أن زائرها من عتاة المحافظين المتشدّدين فيما كانت تعتقد أنها تستقبل روحاني في إطار تطبيع مع الإصلاحيين!

هذا المقال يعبر عن رأي الكاتب ولا يعكس بالضرورة وجهة نظر شبكة إرم نيوز

الأكثر قراءة

No stories found.


logo
إرم نيوز
www.eremnews.com