مدن الصيف: باخرة.. فقطار.. فموسكو
مدن الصيف: باخرة.. فقطار.. فموسكومدن الصيف: باخرة.. فقطار.. فموسكو

مدن الصيف: باخرة.. فقطار.. فموسكو

سمير عطا الله

تحولت الصدمة النفسية من ركوب الطائرة إلى أزمة مِهَنيّة. كيف يمكن أن تُكلّفني «النهار» بتغطية حدث في فرنسا ثم أصرف خمسة أيام للوصول؟ خجلت من الاعتراف بالخوف الذي أصابني. ولذلك، كان الحل الوحيد أمامي هو أن أدمج إجازتي السنوية بالمهمة الموكولة إليّ، ثم أتكل على الله، باخرة – فقطار – فأيام وليال.

توسعت الدائرة الأوروبية التي أغطيها. صيف، 1972 تقرر أن تعقد قمّة في موسكو بين ليونيد بريجنيف وريتشارد نيكسون، وقررت «النهار» أن أسافر للتغطية. كان الحدث تاريخيا حول العالم، أما بالنسبة إليّ، فكان ذروة عملي حتى ذلك الوقت. أخذ الإعداد للتأشيرة وقتا طويلا. رحّبت السفارة السوفياتية في بيروت بأن جريدة البورجوازية سوف تُرسل مندوبا عنها إلى موسكو، لكن ليس من صلاحيات أحد في السفارة منح التأشيرة. لا بد من الإبراق إلى موسكو وانتظار الموافقة. وموسكو يقتلها الشك في الصحف البورجوازية. وأخيرا، جاءني الملحق ومعه جواز سفري وفيه ورقة منفصلة عليها التأشيرة لخمسة أيام.

قلت له إن خمسة أيام لا تكفي. قال عند وصولك دع سفارتكم تتحدث إلى الدائرة الفلانية في وزارة الخارجية، وحظا سعيدا. كان الملحق يعتقد أنني سوف أستقل الطائرة، وبعد 4 ساعات أكون في دياره. لكنني في اليوم التالي عدوت نحو الباخرة حتى مرسيليا ومنها إلى باريس ومن باريس ثلاثة أيام بلياليها إلى بلاد المنجل والمطرقة.

تغيّر في الرحلة التي تمر في مدن أوروبا الشرقية وأوكرانيا ركاب كثيرون. لم أصادف أحدا يتحدث الإنجليزية أو الفرنسية. في كل مرة كنت أتحدث إلى رفيق جديد بخليط من الكلمات والإيماءات. الوحيد الذي رفض التحدث إليّ كان حارس غرف المنامة، الذي يأتيني في المساء ببطّانية وفنجان شاي، وفي الصبح يعود ليأخذ البطّانية ويقدم لي فنجان شاي آخر، لا مساء الخير ولا صباح الخير. إذن هنا مندوب المفوضية الثقافية العليا، المخابرات.

لم أكن أدري، ولا كان يهمني أن أدري، أن عالم الرقابة الشرقي يبدأ لحظة صعودك إلى القطار. ولا شك أنه أثار فضول الـ«كي جي بي» أن صحافيا يسافر ثلاثة أيام في القطار بدل ثلاث ساعات بالطائرة من باريس. وصحيح أن الـ«كي جي بي» تعرف كل شيء، لكن من أين لها أن تعرف عن الصدمة التي وصفها جاري المصري بأنها «فُسحة مش لطيفة خالص».

عندما وصل القطار أخيرا إلى موسكو ترجلت أجر حقيبتي خلفي، ضائعا لأنه لا أحد سوف يكون في استقبالي. مفاجأة. تقدمت مني فتاة من الحجم الروسي (القديم لا الحديث) وسلمتني بطاقة فندق متروبول الذي دفعت سلفا ثمن الحجز فيه. وعرّفت عن نفسها بأنها من وكالة انتوريست السياحية، أي اسم الدلع للـ«كي جي بي».

إلى اللقاء..

الأكثر قراءة

No stories found.


logo
إرم نيوز
www.eremnews.com