سرت بوابة «داعش» إلى أوروبا؟
سرت بوابة «داعش» إلى أوروبا؟سرت بوابة «داعش» إلى أوروبا؟

سرت بوابة «داعش» إلى أوروبا؟

راجح الخوري


جاء توقيع مجلس النواب الليبي والمؤتمر الوطني العام يوم الأحد الماضي، على «إعلان المبادئ» لحل الأزمة المتمادية التي تعصف بالبلاد مفاجئًا لأسباب ثلاثة:
أولاً: لأن هذا الاتفاق الذي دعا إلى تشكيل لجنة من عشرة برلمانيين، تقوم في خلال عشرة أيام بإعادة تسمية رئيس حكومة الاتحاد الوطني ونائبين له، جاء نتيجة مفاوضات سرّية بين الأفرقاء السياسيين الليبيين، جرت في ضاحية قمرت التونسية.
ثانيًا: لأنه نسف كل ما سبق أن أعلنه المبعوث الدولي السابق برناردينو ليون، وتحديدًا لجهة اختيار فائز السرّاج رئيسًا للحكومة مع تعيين نائبين له من اللجنة المشتركة للبرلمان والمؤتمر العام.
ثالثًا: وهو الأهم لأن الاتفاق يأتي في وقت تزداد فيه المخاوف الغربية من أن تصبح ليبيا قاعدة متقدمة لتنظيم داعش، وفي هذا السياق يطرح أحد التقارير الدبلوماسية الأوروبية سؤالاً قال إنه يثير القلق في إيطاليا وفرنسا وإسبانيا: هل تتحول سرت عاصمة لتنظيم داعش على الساحل الليبي الذي يمتد لمسافة ألفي كيلومتر مقابل سواحل أوروبا الجنوبية؟
التصريحات التي وصفت «إعلان المبادئ» بأنه تاريخي وسيفضي إلى السلام والوحدة في ليبيا، تبدو مفرطة من التفاؤل، لأن هناك قوى داخلية اعتبرته «قفزة في الهواء» ولأن الاتفاق بين السياسيين، يواجه على الأرض ازديادًا ملحوظًا ومقلقًا في قوة الإرهابيين، وخصوصًا «داعش» الذي يبدو أنه استوعب جماعة «أنصار الشريعة» ومجموعات درنة.
واضح أن التنظيم الذي يبسط سيطرة كاملة على مدينة سرت، يعد الساحل الليبي منصة توازي في أهميتها المساحة التي يسيطر عليها من الرقة إلى الموصل، أولاً لأنه يستطيع تفعيل تهديده للغرب عبر الساحل الليبي الممتد الذي طالما شكّل منطلقًا لإغراق جزيرة لامبيدوزا الإيطالية بقوارب اللاجئين، وثانيًا لأن سرت التي تتوسط المسافة بين بنغازي شرقًا ومصراتة غربًا تستطيع أن تمسك بالهلال النفطي في خليج سرت، حيث تبرز أهم منصات النفط في البريقة ورأس لانوف مثلاً.
«داعش» يقاتل القوات الحكومية على تخوم بنغازي على بعد ألف كيلومتر من طرابلس، وكذلك في محيط درنة محاولاً توسيع سيطرته، لكن بعد دخوله بلدة النوفلية إلى الشرق من سرت، بدأ يهاجم في اتجاه أجدابيا الواقعة داخل الهلال النفطي، مما ضاعف المخاوف من أن وصوله إلى النفط سيضاعف من قوته المالية وقدرته على استقطاب المتطرفين من دول شمال أفريقيا، وكذلك من الدول الأوروبية.
المتحدث باسم الجيش الليبي الرائد محمد الحجازي قال لوكالة الصحافة الفرنسية: «لقد أصبحت سرت مقر قيادة وتحكُّم لأعضاء التنظيم، وفيها يجري تدريب الإرهابيين الجدد ونشر الفكر الداعشي، وإن مئات من المقاتلين الأجانب وصلوا إلى سرت والمناطق المجاورة قدموا من تونس والسودان واليمن ومن دول أفريقية وخصوصًا نيجيريا، وإنهم يخضعون للتدريب لزجهم في عمليات التنظيم أو إرسالهم إلى دول الجوار».
في هذا السياق إذا كانت عملية ذبح 21 عاملاً مصريًا في 16 فبراير (شباط) الماضي تشكّل نموذجًا عن جرائم تنظيم داعش وتهديداته للدول المجاورة، فقد سبق أن أعلن رئيس الحكومة التونسية الحبيب الصيد في مايو (أيار) الماضي بعد عملية الهجوم على المنتجع السياحي، أن بلاده بدأت في بناء جدار وخندق على طول الحدود مع ليبيا لوقف تسلل الإرهابيين، و«أن ليبيا أصبحت معضلة كبرى».
لكن هذا لم يفد في وقف تسلل الإرهابيين. ففي نهاية الأسبوع الماضي أعلنت الحكومة التونسية أنها لم تعد تسمح للطائرات الليبية بالهبوط في معظم مطارات تونس، بعدما قتل 12 من عناصر الأمن الرئاسي نتيجة هجوم نفذه انتحاري تونسي على الحافلة التي تقلّهم قرب وزارة الداخلية، مما دفع السلطات إلى إغلاق الحدود مع ليبيا لمدة أسبوعين.
وإذا كانت الحكومة التونسية لم تتوانَ في إعلان أن كل الهجمات الدامية التي حصلت في تونس تم التخطيط لها في ليبيا، فإن ذلك يعيد الانتباه إلى التقارير الدولية التي تجمع منذ عامين، على أن التونسيين يتصدرون قائمة المقاتلين في صفوف «داعش» حيث يصل عددهم إلى أربعة آلاف.
ومع اشتداد عمليات القصف الجوي ضد مواقع التنظيم في سوريا والعراق، ليس غريبًا أن يسعى كثيرون من هؤلاء للعودة إلى بلادهم، وإذا عدنا إلى أرقام هذه التقارير واكتشفنا أن هناك في صفوف «داعش» أكثر من 2500 مغربي و900 مصري، و500 جزائري، وأن عدد أفراد التنظيم في سرت تجاوز ثلاثة آلاف، فمن الطبيعي أن يشعل ذلك الضوء الأحمر لا في وجه السياسيين الليبيين المنقسمين الذي أعلنوا اتفاقا بينهم، بل في وجه دول الجوار في الشمال الأفريقي وتحديدًا دول المغرب العربي، كما في وجه الدول الأوروبية على الشواطئ الشمالية المقابلة لشاطئ ليبيا، حيث لا تبعد إيطاليا مثلاً أكثر من ساعة طيران!
على خلفية هذا تحديدًا أعلن وزير الخارجية الإيطالي باولو جنتيلوني عن المؤتمر الدولي الذي يعقد غدًا في روما حول ليبيا، وما يمثّله الوضع فيها من تحديات، وبغية تفادي تفتت كلي لليبيا، ووقف زحف تنظيم داعش، والمثير أن جنتيلوني يرى أن من الممكن تحقيق هذه الأهداف الطموحة عبر «القيام بتحرّك دبلوماسي مكثّف، وتفاهم بين الأطراف والتزام قوي بشأن الاستقرار السياسي إلى جانب الحكومة المقبلة.. وأنه لم يبقَ أمامنا كثير من الوقت، ومن غير الوارد تقديم هدية إلى (داعش)»!
لكن مثل هذا الكلام قيل على امتداد عامين على الأقل من التعامي الأميركي والروسي والغربي عمومًا بعد ظهور «داعش»، من دون أي نتيجة عملية على الأرض، وليس من المبالغة القول الآن إن سرت قد تصبح العاصمة الثانية للدواعش بعد الرقة، وإن أبو بكر البغدادي يقرع أبواب أوروبا انطلاقًا من ليبيا.
في الثاني من أغسطس (آب) الماضي سيطر الخوف من الفوضى الإرهابية الليبية على مؤتمر الأمن الذي عقد في ميونيخ، حيث حذّرت فيديركا موغيريني من مخاطر انفجار ليبيا لأن ذلك سيشكل خطرًا كبيرًا على أوروبا «إنها مزيج مثالي جاهز للانفجار، وسينفجر على أبواب أوروبا بالضبط، وإن مجموعة العوامل هناك خطرة للغاية بالنسبة لأمن أوروبا»!
الرئيس فرنسوا هولاند الذي حذّر في المؤتمر المذكور من أن الإرهابيين في ليبيا يهددون أمن المنطقة، داعيًا إلى «رد جماعي وحازم وعمل عسكري ضد المتطرفين»، لم يكن يتوقع حصول الجرائم التي استهدفت باريس بعد أسابيع، ولهذا ليس مبالغة القول إن التعامي عن نمو «داعش» في سرت أخطر من التعامي عن قيامه في سوريا والعراق بالنسبة إلى المغرب العربي والدول الأوروبية!
والسؤال: هل يساعد «إعلان المبادئ» على تشكيل حكومة وحدة وطنية ليبية يمكن أن تطلب تدخلاً عسكريًا أوروبيًا كما اشترط الأمين العام لحلف الأطلسي ينس ستولتنبرغ في حديثه إلى «الشرق الأوسط» يوم السبت الماضي؟

هذا المقال يعبر عن رأي الكاتب ولا يعكس بالضرورة وجهة نظر شبكة إرم نيوز

الأكثر قراءة

No stories found.


logo
إرم نيوز
www.eremnews.com