خيال الفقراء !!
خيال الفقراء !!خيال الفقراء !!

خيال الفقراء !!

خيري منصور

اذا صحّ ما قاله برنارد شو واكّده علماء النفس بأن الانسان يحلم بما ينقصه، ويحاول تعويض هذا النقصان من فائض الخيال، فإن الفقراء هم الاكثر حلما والاوسع خيالا، لكن ما تعمّق من الفجوة بين الموسرين والمعسرين في زمننا قد لا يتيح حتى لخيال الفقراء ان يصل الى ما هو واقع بالفعل، وعلى سبيل المثال قرأت قبل أعوام ، ولم يكن الفقر قد تفاقم الى هذا الحدّ الذي نراه عن وجبة غذاء في مطعم في احدى جزر المحيط تبلغ تكلفتها عشرة آلاف دولار والان اقرأ عن شريحة لحم قد لا تشبع طفلا او رجلا يعاني من عسر الهضم يصل ثمنها الى عشرين الف دولار، لأنها كما يقول التجار الذين يمزقون اللحم الحيواني والآدمي بالساطور ذاته من النوع المعتق كالنبيذ، فهي تحفظ لعدة سنوات، والمضحك في هذه الفنتازيا ان القاورما او اللحم الذي يدّخره سكان الجبال من اللبنانيين مثلا يحمل المواصفات ذاتها لكنه مُتاح حتى لأفقر الناس . ما يغيب عنّا جميعا بدءا من اولي الأمر حتى اولي القهر والزّجر هو ان الثقافة الاستهلاكية في تجلياتها الاعلانية المُتلفَزة تنتج عنفا وتطرفا وتغذّي نزعة الانتقام، فمن حصل بصعوبة على وجبة عشاء لعائلته يشاهد في التلفزيون اعلانات عن سلعة من الكماليات يصل ثمنها الى حاصل جمع رواتبه لخمسين عاما ! وما بلغته الرأسمالية في ذروة توحشها وأقصى جنونها اعاد تعريف مفهوم الفقر، فنحن جميعا فقراء بمقياس جديد للفقر، وهناك بشر ينفقون معظم دخلهم على كماليات وعلى حساب غذائهم وصحّتهم لأن هذه المظاهر اشبه بمساحيق تجميل لإخفاء ما خلّفه الفقر من ندوب في النفس اولا ! وما يجب الاعتراف به هو ان المنظمات والعصابات الارهابية والمتطرّفة لا تصطاد زبائنها من المجرات او من بلاد واق الواق، فالمادة الخام التي تستثمرها وتفصل منها قتلة ومجرمين هي الفقر خصوصا اذا كان مُقترنا بالجهل وهو على الارجح توأمه . ان الطبيب الذي يخطىءعدة مرات في تشخيص امراضا لا نعود اليه لكننا في الثقافة والسياسة نفعل العكس وندمن تشخيصات هي اقرب الى كوميديا الاخطاء فأية مفارقة ؟ وأية شيزوفرينيا ؟؟

هذا المقال يعبر عن رأي الكاتب ولا يعكس بالضرورة وجهة نظر شبكة إرم نيوز

الأكثر قراءة

No stories found.


logo
إرم نيوز
www.eremnews.com