الإخوان والمكتبة المدرسية السعودية

مشاري الذايدي

رحلة من رحلات السندباد البحري تلك التي استغرقها الزمن لإخراج كتب سيد قطب وحسن البنا وحسن الترابي، من المكتبة المدرسية في السعودية.
الخبر الذي نقلته «العربية نت» بعد أن تداول الإعلام السعودي ذلك، أن وزارة التعليم السعودية أصدرت تعميمًا على جميع الإدارات التعليمية التابعة لها بسحب نحو 80 كتابًا من مكتبات ومراكز مصادر التعلم في المدارس لعدد من المؤلفين، مثل سيد قطب وحسن البنا ويوسف القرضاوي. وشمل كثيرا من مؤلفات أبو الأعلى المودودي، ومصطفى السباعي، وأنور الجندي، وحسن الترابي.
ينتقد الناقدون السعودية، عن نية طيبة أو عدمها، بأنها قلبت ظهر المجن لجماعة الإخوان المسلمين، بعدما كانت تقدم لهم العون والاحتضان وتسلم لهم مقاليد التعليم والتثقيف العام، وكان رموز الجماعة من المصريين والسوريين والعراقيين، وتلاميذهم من السعوديين، هم سادة المشهد التعليمي والدعوي، ردحًا من الزمان، فما عدا مما بدا!؟
يمضون أكثر في هذا السبيل فيجلبون لك من أرشيف الصحف السعودية، كثيرًا من أخبار الاحتفاء بالشخصيات والمصطلحات الإخوانية، واعتماد الإعلام السعودي فترة من الزمن، كثيرًا من حجج الدعاية الإخوانية ضد نظام عبد الناصر خاصة. وكأنهم بذلك قد أحرجوا المجادل لهم بخلود علاقتهم بالدولة السعودية.
الحق أن السياسة ليست عملاً دينيًا مقدسًا، والساسة كما بقية البشر ليسوا من الملائكة، هذا من حيث الإطار العام، ومقتضى التهذيب الديني نفسه، ومن حيث السياق التاريخي الذي وجدت فيه هذه العلاقة «الخاصة» بجماعة الإخوان، فليست هذه العلاقة خاصة بالدولة السعودية، فكل دول الخليج، تقريبًا، ومعهم المملكة الأردنية، كانت لهم العلاقة الخاصة نفسها مع الجماعة، في خضم الصراع «الوجودي» مع مؤامرات النظام الناصري وأنظمة البعث من بعده.
في السعودية، بوجه خاص، كان هناك، فوق هذا السبب السياسي الخارجي، سبب داخلي يتصل بحداثة أجهزة الدولة والبناء الإداري، وكان لا يمكن التعويل على العرب الذين تشربوا الدعاية الناصرية أو اليسارية أو البعثية، لسبب واضح، فقد كانت الدول الراعية لهذه الآيديولوجيات تعلن صراحة نيتها هدم الدولة السعودية، وسبب آخر أيضًا؛ ضخامة التحديات لمرونة فقهية، لم تكن طبقة العلماء التقليديين قادرة على تقديمه حينها، فشغل تكنوقراط الجماعة، ومتعلموها هذا الفراغ.
بعد ذلك جرت في الساقية مياه كثيرة، وتعارضت مصالح الجماعة مع مصالح الدولة السعودية أكثر من مرة على مدى عقود.. من أبرز المحطات: ثورة الخميني، غزو الكويت، الربيع العربي.
لذا فخبر وزارة التعليم السعودية عن سحب كتب الإخوان، هو مشهد من مسلسل سابق.. في محطات الوصل والفصل.

هذا المقال يعبر عن رأي الكاتب ولا يعكس بالضرورة وجهة نظر شبكة إرم نيوز