قواعد اللعبة الجديدة
قواعد اللعبة الجديدةقواعد اللعبة الجديدة

قواعد اللعبة الجديدة

عريب الرنتاوي

أول من وصف الحرب الكونية على الإرهاب بالحرب العالمية الثالثة، هو الملك عبدالله الثاني، وأول من دعا إلى إقامة حلف دولي ضد الإرهاب، من طراز التحالف الدولي ضد النازية في الحرب العالمية الثانية، هو فلاديمير بوتين ... ما يجري على الأرض، وعلى امتداد الكرة الأرضية، وليس في سوريا وحدها، هو حرب عالمية ثالثة، وما نشهده من حراك دولي بعد “غزوة باريس” ليس سوى إرهاصات تحالف كوني ضد “خلافة البغدادي” من طراز التحالف ضد أدولف هتلر ومشروعه النازي. والمتتبع لسيل المواقف والتصريحات المتدفق من مختلف عواصم القرار الدولي، يدرك أن فجوة الخلافات بين تحالفي موسكو وواشنطن، أخذت تتقلص، لا لأن أسباب الخلاف من أوكرانيا حتى الأسد، قد انتفت، بل لأن الجميع بات مدركاً لأهمية تنحية جميع الخلافات الآن، وتوحيد كل الجهود لـ”قطع رأس داعش” ... وفي ظني أن العالم الذي نجح قبل ستين عاماً في تحييد خلافاته والتوحد لإسقاط النازية، قادرٌ اليوم على فعل الشيء في مواجهة البربرية المنفلتة من عقالها. واللافت للانتباه، أن باريس التي كانت الأكثر تشدداً و”مشاكسة” في إطار المعسكر الغربي، مؤثرة تحالفاتها مع الثلاثي التركي – القطري – السعودي، باريس ذاتها، هي من يقود المساعي الدولية اليوم، للتقريب بين المعسكرين والتحالفين، وهي من يرفع لواء الشعار الجديد الناشئ على أنقاض التفجيرات في عاصمة الأنوار: لا يجوز أن يكون في سوريا تحالفين ضد داعش. مثل هذه المستجدات النوعية، سيكون لها أثر حاسم في “تغيير قواعد اللعبة”، وبهذا المعنى يمكن النظر إلى “غزوة باريس” بوصفها “عامل تغير لقواعد اللعبة” أو كما يقال (Game Changer)، بيد أننا سنحتاج لبعض الوقت، حتى نتعرف على الكيفية التي سترسو عليها قواعد اللعبة الجديدة، والطريقة التي ستتعامل بها مختلف الأطراف مع هذه القواعد الناشئة. على الغرب أن يتخلى أولاً عن نظريته الساذجة التي تجعل من بشار الأسد “مغنطيساً” جاذباً للإرهاب ومستدعياً للإرهابيين ... من قال أن داعش يهمها بقاء الأسد أو رحيله، ومن قال أن خطابها التحريضي والتعبوي ينهض على فكرة تنحية الأسد والإتيان ببدائل توافقية عنه ... ولماذا ذهبت إلى الموصل ولم تستكمل طريقها صوب دمشق، إن كان الأسد هو مقصدها وهدفها، وكيف يمكن تفسير حروبها على جبهات أخرى عديدة، ليست جميعها مرتبطة بمعركة إسقاط الأسد. قد يكون تنحي الأسد مطلوباً في سياق عملية سياسية انتقالية لسوريا، من أجل إقناع فئات وشرائح سورية أوسع للانخراط في هذه العملية، وبناء درجة أعلى من الثقة بالمستقبل ... وقد يكون الأمر ذا قيمة سياسية وأخلاقية، بصرف النظر عن الجدل حول “من المسؤول عن ماذا” في سياق تطور الأزمة السورية ... لكن من السذاجة استمرار الحديث بهذه اللغة، خصوصاً حين يكون المتحدث من الغرب، وليس من خصوم النظام من عرب وأتراك. ولعل العذر الأقبح من ذنب، هو ذاك الذي طالما تردد على لسان جون كيري، بقوله أن تنحي الأسد مطلوب لإقناع بعض الحلفاء للانخراط في الحرب على “داعش”، الأمر الذي لا تفسير له، سوى في واحدٍ من أمرين، أو كليهما معاً ... فإما أن هؤلاء الحلفاء لم يقرروا بعد، برغم الرطانة اللفظية، محاربة داعش، وإما أنهم يراهنون عليها لإضعاف الأسد توطئة لإسقاطه، وإما الأمرين معاً، وهذا هو المرجح ... مثل هذه المرافعة لا معنى لها سوى الاعتراف بتواطؤ هذه الأطراف في “تسمين” داعش وتسهيل مهمتها ومدّها بالعتاد والمال والرجال، وعلى المتحدثين بهذه اللغة أن يخجلوا من أنفسهم، خصوصاً بعد انفلات غول الإرهاب من عقاله، ونجاحه في إسقاط مئات الضحايا البريئة في سيناء وضاحية بيروت وضواحي باريس. قواعد اللعبة الجديدة تنهض على شعار مركزي واحد: لا صوت يعلو فوق صوت المعركة ضد الإرهاب ... أي تحفظ أو “لكن” في هذا السياق، لا تحتمل سوى معاني التواطؤ والمراوغة ... وأية محاولة للقول بإن هناك إرهابا جيدا وإرهابا سيئا، هي محاولة للتستر على المجرمين والقتلة، تحت أي اسم أو مسمى اتخذوا ... وأية محاولة لتعليق المشاركة في الحرب على الإرهاب على شرط هناك أو أجندات هناك، هي تعبير عن التواطؤ مع برابرة الأزمنة الحديثة. هناك دول نعرفها، ويعرفها العالم بأسره، متواطئة مع الإرهاب وداعمة له، بوتين لم يخجل من القول بأن بعضها حاضر على مائدة “قمة مجموعة العشرين”، وصور الأقمار الصناعية والفضائية التي عرضها أمام المؤتمرين، أظهرت قوافل لناقلات النفط على امتداد البصر، المؤكد أنها كانت متجهة صوب تركيا، أما الدول الأربعين المتورطة في تمويل الإرهاب أو غض النظر عن شبكات دعمه وتمويله، فالأرجح أن من بينها، بل وربما أهمها، دول عربية ثرية. من غير الجائز أن يبقى الغرب متواطئاً وصامتاً حيال ممارسات حلفائه ... من غير الأخلاقي أن يستمر في التغطية على مسؤولية هؤلاء الحلفاء في تهديد أمن المنطقة واستقرار العالم ... من غير الجائز الاستمرار في إبرام صفقات السلاح والذخائر التي يُقتل بها أطفال سوريا والعراق واليمن وليبيا، من دون وازع من ضمير ... من غير المقبول استمرار الحديث عن “مغناطيس الأسد” وغض النظر عن “شرايين الحياة” التي يتدفق عبرها الفكر المتطرف والمال الأسود والسلاح الفتاك والقتلة الذين أعمى التطرف أبصارهم وبصائرهم. قواعد اللعبة الجديد، تستوجب تسمية الأشياء بأسمائها، ووضع كل المتورطين في دعم الإرهاب وتغذيته، مالياً وتسليحياً وفكرياً وعقيدياً، تحت المجهر، حتى لا نقول تحت الفصل السابع.

هذا المقال يعبر عن رأي الكاتب ولا يعكس بالضرورة وجهة نظر شبكة إرم نيوز

الأكثر قراءة

No stories found.


logo
إرم نيوز
www.eremnews.com