تَرجِموا هذا الصمت أولاً!!
تَرجِموا هذا الصمت أولاً!!تَرجِموا هذا الصمت أولاً!!

تَرجِموا هذا الصمت أولاً!!

معظم ما يقال ويكتب الآن عن العدوان الإسرائيلي على غزة هو طبق الأصل مما كتب في ثلاث مناسبات سابقة ومماثلة على الأقل، لهذا فهو إضافة إلى صلاحيته المحدودة فاقد لأي نفوذ على الوعي، لأنه يتجاهل ما جرى للعرب خلال عدة أعوام. وفي مقدمته استراتيجية استبدال الأعداء، وتغيير اتجاه البوصلة قوميا إضافة إلى ارتباكات نفسية واجتماعية جعلت الفرد آخر من يعلم بما آل إليه.



ومن جازفوا بافتضاح حقيقة ما جرى خلال تلك الأعوام تعرضوا لعقوبات منها ما هو مستمر حتى الآن، بعكس من امتطوا الموجات وظنوا أنهم قابلون للبيع بسعر مناسب شأن السنور الذي ربط بذيل البعير.

والفارق البائن بين الشارع العربي قبل سبعة أعوام عجاف وبين ما هو عليه الآن من خمول ولا مبالاة ازاء ما يجري في غزة هو أن عملية افراغ هذا الكائن من شحنة الغضب واصطناع أعداء بدائل لم تكن أنجزت.

فهو الآن يرى في العدو شقيقا لدودا من طائفة أخرى فهو منهمك في حروب المحاصصة بحيث لا يجد لديه فائضا من العاطفة كي يقدمه لفلسطين؛ لأن دهاقنة الهوية خلقوا له فلسطينات أخرى في عقر داره؛ لهذا فهو الآن يخوض حربا أخرى وببوصلة مغايرة.

الأعوام القليلة الماضية ارهقت العربي نفسيا واقتصاديا واربكت وعيه، وصدّق أن ما يراد لهو هو ربيع يفيض بالخضرة والخير والحرية، والحقيقة أن ما حدث له هو أنه تبع الضباع -التي نفخت في وجهه- إلى المغارة.

وثمة من ارتطم رأسه بسقفها وسال الدم على جبينه فاستيقظ من غيبوبته مقابل اخرين التهمتهم الضباع حتى النخاع.

إن الاندهاش من هذا الصمت وهذا الاستنقاع يفتضح وعيا سطحيا وقراءات افقية لواقع بالغ التعقيد.

لكن الأسهل علينا دائما هو التنديد بالصمت بدلا من أن نفحصه ونترجمه لنبين أسبابه وهذه مهمات تبدو بالنسبة لمن لا يفرقون بين المكنسة والبندقية من الرفاهية التي لا مكان لها في جو ملتهب.

واقترح على هؤلاء الذين يعيدون نشر ما كتبوا عشرات المرات -لانهم يمارسون دور الندابة المحترفة في مآتم الآخرين- أن يقرأوا مسرحيات الراحل محمد الماغوط خصوصا تلك التي تتم فيها مقايضة صقر قريش بشاحنة قمح اسبانية أو التي يروي فيها الدّحام ما جرى له من ذوي القربى بحيث فقد القدرة على الوقوف على قدميه كما فقد القدرة على الجلوس لأن الزجاجات من مختلف الأحجام جربت فيه.

وقبل أن تلوموا هذه الملايين على صمتها وغيبوبتها اسألوها عما جرى لها في ربيع الذئب وليس في ربيع الخروف.

(الدستور)

الأكثر قراءة

No stories found.


logo
إرم نيوز
www.eremnews.com