الاتفاق الأردني الروسي
الاتفاق الأردني الروسيالاتفاق الأردني الروسي

الاتفاق الأردني الروسي

فهد الخيطان

لم يسبق للأردن أن حاز من قبل على هذا القدر من هامش المناورة في السياسة الخارجية، دون أن يتكبد خسائر من رصيده في العلاقات والتحالفات الدولية والإقليمية. ففي غمرة التحليل والمتابعة للاتفاق الأردني الروسي بشأن تنسيق العمليات في سورية، لم يلتفت البعض إلى تصريح وزير الخارجية الأميركي جون كيري الذي بارك فيه الاتفاق،  وقال بالحرف الواحد إن الولايات المتحدة "لاتعارض الاتفاق العسكري بين الأردن وروسيا". وأضاف: "ليس لنا أي تحفظ على هذا الجهد، وقد يساعد على التأكد من أن الأهداف المقصودة هي الأهداف التي يجب أن تكون".
على المستوى الإقليمي، لم يصدر أي رد فعل يوحي بتحفظ حلفاء الأردن على هكذا خطوة،    وليس متوقعا حدوث ذلك،  خاصة أن الأطراف المقصودة منخرطة في مناقشات عميقة مع الجانب الروسي للوصول إلى تسوية سياسية للأزمة السورية، فيما ذهبت دول أخرى في المنطقة أبعد من ذلك عندما أبرمت اتفاقيات مماثلة مع روسيا لتنسيق العمليات الجوية، والضربات الجوية التي تستهدف الجماعات الإرهابية في سورية.
لا حاجة هنا للتذكير بأن الولايات المتحدة كانت السباقة في توقيع اتفاق مع روسيا لتنسيق العمليات الجوية.
لكن من السذاجة القول إن الاتفاق الأردني الروسي عسكري بحت، ومجرد من المعاني السياسية، وإلا لترك للعسكريين من الطرفين الإعلان عنه، أو حتى حفظه طيّ الكتمان،  كما هو حال اتفاقيات عديدة بين جيوش عالمية. بيد أن الطرفين منحا الخطوة طابعا سياسيا عندما توجه وزير الخارجية ناصر جودة إلى فيينا، وأعلن مع نظيره الروسي سيرغي لافروف عن الإتفاقية.
الوزير جودة الذي يختار كلماته بعناية، قال للصحفيين عقب الاجتماع: "آمل بأن تكون آلية التنسيق هذه فاعلة لمحاربة الإرهاب في سورية وخارجها". ما يعني أن الاتفاقية تؤسس لتعاون أشمل بين البلدين.
الحكومة وعلى لسان الناطق باسمها، وزير الإعلام محمد المومني، لم تكتف بتعريف أهداف الاتفاقية ومدى ارتباطها بالمصالح الوطنية الأردنية،  بل ربطتها بالحل السياسي في سورية،    والتعاون"القديم" بين الأردن وروسيا على كافة الصعد، حسب قول الوزير المومني.
في ضوء هذا التطور،  يمكن القول إن الأردن الذي اتخذ موقف "الحياد الإيجابي" من التدخل الروسي في سورية،  قد انتقل إلى حالة "التفاعل الإيجابي" بعد توقيع الاتفاقية الأخيرة.
وفي الحالتين، فإن ما يحكم الموقف الأردني المتفاعل مع التطورات، هو المصالح الأردنية بالدرجة الأولى، والموقف المبدئي من الجماعات الإرهابية، وما تمثله من خطر على الأردن ودول المنطقة والعالم.
وإذا كان لنا أن نحدد بدقة المصالح المتحققة من الاتفاقية؛ سياسيا، وأمنيا، فهي على النحو التالي:
ضمان المصالح الأردنية في أية تسوية سياسية في سورية،  ما تعلق منها بملف اللاجئين،    أو الحدود،  وعلاقة النظام الجديد، أو "المجدد" في سورية مع الأردن.
تأمين الوضع القائم حاليا على الحدود مع سورية،  ودعم حالة الجمود المستمرة منذ مدة طويلة، وعدم تغيير ميزان القوى بما يسمح لاختراق جماعات إرهابية، والتمركز على مقربة من أراضينا.
تنسيق العمليات بما يضمن استهداف مواقع الجماعات الإرهابية التي يتفق الجانبان الأردني والروسي على تعريفها،  وتجنيب الفصائل المعتدلة والمحسوبة على الجيش السوري الحر ضربات الطيران الروسي، خاصة الجماعات القريبة من الأردن، والمتمركزة على الجانب السوري من الحدود مع الأردن.
الأردن، وكما قال الوزير المومني،  مايزال عضوا في التحالف الدولي للحرب على الإرهاب. لكنّ هذا التحالف تفكك عمليا، وعضويته تقتصر على أميركا والأردن فقط، ولا يستطيع الأردن أن يغامر بمصالحه الوطنية، بالاعتماد فقط على تحالف هشّ تلهث قيادته "الأميركية" خلف روسيا وإيران.

الأكثر قراءة

No stories found.


logo
إرم نيوز
www.eremnews.com