تَحالُف أقوياء الضعفاء
تَحالُف أقوياء الضعفاءتَحالُف أقوياء الضعفاء

تَحالُف أقوياء الضعفاء

زياد الدريس

لو أن القوة بين (أولاد الحارة)، القوة الجسدية والمعنوية والمالية، كانت متفاوتة لصالح واحد أو اثنين منهم عن بقية الأولاد، فما هي الخيارات المتاحة لك لتقوية وجودك أو على الأقل لتخفيف ضعفك بين أولاد الحارة؟

في العادة لا نفكر سوى في خيارين اثنين: التحالف مع الأقوياء أو الاتحاد مع الضعفاء. ولأن الخيار الأول في الغالب يكون صعباً ومرتهناً بقبول الأقوياء فإننا نتجه للخيار الثاني الأسهل فنتقوّى بالاتحاد مع الضعفاء، وهو بلا شك خيار أفضل وأقوى وأقل ضرراً من البقاء وحيداً.

لكننا نغفل كثيراً عن خيار ثالث وسطي بين خياري الالتحاق بالأقوياء أو البقاء مع الضعفاء، ويتمثل ذلك في انتخاب واحد أو اثنين من «أقوياء الضعفاء» بغرض تكوين تحالف جديد مبني على نقاط قوة مشتركة بين هذه القوى «المتوسطة» تجعلها، ليست قادرة على تحدي الأقوياء، لكنها قادرة على عدم الخضوع لهم بالكليّة كما يفعل الضعفاء.

يمكننا تكبير هذه الصورة وتطبيقها على أولاد حارة هذا الكون وتمحيص تحالفاته بين الأقوياء والضعفاء.

من أشهر التحالفات في هذا العصر الحديث ما يسمّى «حركة عدم الانحياز» التي قامت في أعقاب نهاية الحرب العالمية الثانية الساخنة وبدايات الحرب الباردة (في العام ١٩٥٥) بزعم عدم الانحياز إلى إحدى القوتين المتصارعتين، السوفياتية والأميركية. لكن هذه الحركة ظلت، رغم انتفاء غرضها منذ التسعينات، تتحرك في مدارات سياسية بحتة في الغالب.

النموذج الآخر الأكثر شبهاً بنقاشنا هذا هو ما يسمّى (مجموعة الـ ٧٧ + الصين) التي تأسست في العام ١٩٦٤ بهدف تعزيز المصالح الاقتصادية والتنموية لأعضائها المتحالفين من الدول النامية. لا يخفى أن عدداً من تلك الدول التي كانت نامية في العام 1964 لم تعد كذلك الآن، فمرور نصف قرن على تأسيس المجموعة كان يجب أن يكون كافياً لكل أعضائها أو معظمهم على الأقل للتحول من دول نامية مستهلكة إلى دول متطورة منتجة. لكن هذا لم يتحقق إلا لعدد محدود من أعضاء المجموعة الذين ارتفع عددهم من ٧٧ إلى ١٣٣ دولة الآن، من دون تغيير الاسم الأصلي لها، فيما حافظت بقية الدول على ما يبدو كأنه التزام ووفاء لقيم مجموعة الضعفاء النامية، وهي تحتفل هذا الشهر في الأمم المتحدة (نيويورك) وفي اليونيسكو (باريس) وفي غيرهما، بمرور ٥٠ عاماً على التأسيس.

لحسن الحظ فإن سبع دول من بين ١٣٣ إستطاعت، بعد مرور نصف القرن، أن تزاحم الأقوياء وتدخل معهم في مجموعة العشرين G 20 التي تأسست عام ١٩٩٩ بغرض وضع حلول ومخارج للأزمات المالية التي يتعرض لها العالم وتؤثر بالطبع على مصالح العشرين دولة التي تنتج لوحدها أكثر من ٩٠ في المئة من إجمالي الناتج العالمي الخام وتحتضن ثلثي سكان العالم وثلثي تجارته.

هذه خطوة إيجابية، لا شك، في حسن اختيار نوعية التحالف، وليس بعدها من طموح تحالفي سوى الانضمام الى المجموعة الذهبية، مجموعة الثماني G 8. لكن تكافؤ الفرص، بل عدالة الفرص المغيّبة، في مجموعة العشرين غير المتكافئة قد لا تتيح إمكانية حقيقية وصادقة لدولةٍ ما للانتقال من المجموعة الفضية G 20 إلى المجموعة الذهبية G 8!

لهذا قامت أربع دول من أعضاء مجموعة الـ ٧٧، النامية آنذاك!، بعد أن لم تكتف بانضمامها إلى مجموعة G 20، بالتحالف مع روسيا وتأسيس ما سمّي مجموعة (بريكس BRICS) في العام ٢٠٠٩ وتضم (بحسب ترتيب الحروف الأولى من الاسم): البرازيل وروسيا والهند والصين وجنوب أفريقيا. وهذا هو التحالف النموذجي الذي أشرت إليه في مطلع المقال. إذ أصبحت هذه الدول الخمس نموذجاً بارزاً لتنسيق الجهود والمواقف السياسية والاقتصادية والتنموية، رغم التباعد الجغرافي والأيديولوجي بينها، لكن غطى ذلك تقارب المصالح المشتركة.

وقد لمست بنفسي انعاكاسات هذا التقارب بين أعضاء المجموعة، رغم حداثة نشأتها، في اجتماعات وردهات منظمة اليونيسكو، حتى إن من يريد أن يمرر قراراً فإنه يعوّل كثيراً على دعم دول «البريكس»، ليس لأنه سيحصل على خمسة أصوات فقط بل ربما حصل على خمسين صوتاً بتوجيه وتزكية من هذه الدول الخمس المؤثرة في دول قاراتها، ما كرّس قناعة لدى كثيرين بأن التحالفات الصغيرة والموزونة ربما كانت أجدى وأكثر فاعلية بكثير من التحالف مع المجموعات الكبيرة غير الفاعلة. ولذا فإنني لأكثر من مرة كنت أمازح الزملاء ممثلي دول «البريكس» حين ألتقيهم يتشاورون خارج إحدى قاعات اليونيسكو بقولي: ألا تريدون أن نحوّل اسم المجموعة إلى (سبريكس SBRICS)؟!

الأكثر قراءة

No stories found.


logo
إرم نيوز
www.eremnews.com