محنة اللاجئين بين أوروبا والعرب
محنة اللاجئين بين أوروبا والعربمحنة اللاجئين بين أوروبا والعرب

محنة اللاجئين بين أوروبا والعرب

عثمان ميرغني

عندما نصبت المجر حواجز من كتل الأسلاك الشائكة على الحدود لمنع دخول اللاجئين إلى أراضيها، هاجمتها فرنسا بحدة ووصفت خطوتها بأنها غير إنسانية، ولا تليق بمعاملة الحيوانات ناهيك بالبشر. وعندما أعلنت سلوفاكيا أنها ستستقبل 200 لاجئ سوري، مشترطة أن يكونوا من المسيحيين، تعرضت لانتقادات لاذعة ووصف موقفها بالعنصري القائم على التمييز بين اللاجئين على أساس ديني. المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل أبدت استياءها من الموقف السلوفاكي، وحذرت من سياسة الفرز الديني، وفي الوقت ذاته كررت مطالبتها لدول الاتحاد الأوروبي بتقاسم عبء تدفق اللاجئين بطريقة عادلة، بينما وجه سياسيون ألمان تهديدات مبطنة لبريطانيا، إذا لم تفتح أبوابها لاستقبال المزيد من اللاجئين العالقين على حدود عدد من الدول الأوروبية.
أوروبا منقسمة ومتشاحنة بسبب ما بات يسمى أزمة اللاجئين المتدفقين عبر «قوارب الموت» أو المتسللين داخل الحاويات والشاحنات مجازفين بالموت اختناقا أو على أيدي العصابات التي نشطت في تهريب اللاجئين مقابل مبالغ كبيرة لترمي بهم أحياء أو أمواتا في أي مكان على حدود أوروبا. الرأي العام يضغط على السياسيين في اتجاهين متضادين، الأول إنساني وتحركه أخبار قوارب الموت المكتظة بما يفوق حمولتها من البشر اليائسين فينتهي كثير منها إلى الغرق، أو مناظر الجثث التي تقذفها المياه إلى الشواطئ، أو صور الأطفال الباكين من الفزع والجوع والعطش. هذا الاتجاه يدعو إلى سياسة رحيمة مع اللاجئين واستقبالهم من منطلق القيم الإنسانية والمبادئ السامية. أما الثاني فيدعو إلى غلق الأبواب ومنع دخول اللاجئين إما لأسباب اقتصادية أو اجتماعية أو عنصرية. فهناك من يرى أن أوروبا لم تعد تحتمل الضغوط الاقتصادية لموجات النزوح البشري، في وقت تشكل فيه البطالة، خصوصا بين الشباب، قضية كبرى، بينما تتزايد الأعباء على موارد الضمان الاجتماعي مع تزايد أعداد المسنين والمحتاجين. هناك أيضا من يتخوف من التأثيرات الاجتماعية لتدفق اللاجئين الذين يفشل كثير منهم في الاندماج فتكون النتيجة صداما مستترا أو مكشوفا بين ثقافات مختلفة وعادات متضاربة.
بالطبع هناك عنصرية متنامية يغذيها اليمين المتطرف الذي يوظف قضية الهجرة للتكسب السياسي، ويستفيد من التغطية الإعلامية الواسعة لموضوع اللاجئين لبث الخوف في نفوس الناس من «الغرباء القادمين لسرقة الوظائف والسكن وموارد الضمان الاجتماعي، والذين سيفرضون أيضا عاداتهم وطريقة حياتهم». الواقع أن أحزاب اليمين المتطرف في أوروبا لا تستغل فقط قضية تدفق اللاجئين عبر المتوسط، بل تستخدم أيضا موضوع تنقل العمالة، خصوصا من دول أوروبا الشرقية كمادة في دعايتها السياسية والعنصرية لتخويف الناس من «القادمين لسرقة الوظائف وموارد الضمان الاجتماعي».
عندما كتبت الأسبوع الماضي عن مشكلة أوروبا مع المهاجرين، وعن لجوء بعض الدول مثل سلوفاكيا لسياسة معيبة في التمييز على أساس ديني بين اللاجئين، واجهني القارئ منصور حنا بمجموعة من التساؤلات من بينها: لماذا لا تستقبل الدول العربية والإسلامية هؤلاء اللاجئين؟ وهل المطلوب من الدول الأوروبية أو كندا أو أستراليا استقبالهم من دون قيد أو شرط؟
القارئ حنا ليس وحده الذي يثير هذه التساؤلات، فهناك كثير من المعلقين في أوروبا يتداولونها، ومن يقرأ تعليقات القراء في مواقع الصحف الشعبية في بريطانيا أو غيرها، سيجد بالتأكيد آراء كثيرة جدا متباينة، وجدلا لا ينقطع حول دور ومسؤولية الدول العربية والإسلامية في موضوع اللاجئين. فالأمر الواضح أن القضية تثير من الاهتمام في أوروبا أضعاف ما تثيره في العالمين العربي والإسلامي، على الرغم من أنهما أصبحا مصدر غالبية اللاجئين والنازحين والهاربين من الحروب والنزاعات. وبينما تعقد أوروبا الاجتماعات المتتالية لبحث كيفية التعامل مع اللاجئين، يبدو العالمان العربي والإسلامي غائبين تماما أو شبه غائبين، فلا قمم طارئة تعقد لبحث الأمر، ولا سياسات مشتركة توضع لمعالجة وتقاسم العبء.
هناك ثلاث دول في المنطقة هي تركيا ولبنان والأردن واجهت الضغط الأكبر من اللاجئين، خصوصا أولئك الهاربين من دوامة العنف والإرهاب في سوريا والعراق، لكن الأوضاع القاسية في المخيمات وقلة الموارد والخدمات دفعت بكثير من اللاجئين إلى البحث عن أي وسيلة لطرق أبواب أوروبا. فلو كان العالم العربي يتحمل مسؤولياته ويملك القدرة والإرادة لوضع استراتيجيات مشتركة، لما اضطر اللاجئون أو غالبيتهم إلى المجازفة في رحلات قوارب وحاويات الموت إلى أوروبا.
مسؤولية العالم العربي وتقصيره لا يعنيان أن أوروبا والغرب عموما بلا مسؤولية في هذه الأزمة. فالدول الغربية تتحمل قسطا غير يسير عن مسؤولية الحروب والنزاعات التي أفرزت موجات النزوح واليأس. من هذا المنطلق قد يتوجب على كل الأطراف التنسيق عبر مؤتمر دولي لمعالجة قضية لا تمثل امتحانا أخلاقيا فحسب، بل من شأنها أن تحدث مشكلات سياسية وأمنية واجتماعية بتداعيات واسعة وخطيرة.

الأكثر قراءة

No stories found.


logo
إرم نيوز
www.eremnews.com